في أي نوع من الفساد يمكن إدراج هذا الملف؟
محمد إنفي
إن إحداث قاعة للألعاب، بترخيص يثير الكثير من التساؤلات – في حي سكني بامتياز (به عمارات وفيلات ومنازل وإقامات طلابية)، وبه مؤسسات جامعية- لا يمكن إلا أن يكون مثار شبهات ومصدر شكوك وقلق لدى سكان الحي من حيث الهدف (أو الأهداف) من اختيار هذا الموقع بالذات ومن حيث التداعيات المحتملة لهذا الاختيار.
وقد سبق لي أن تساءلت، في تدوينة على «الفايسبوك»، «ما الهدف الحقيقي من فتح قاعة للألعاب في هذا المكان بالذات؟»، قائلا: « تحت اسم قاعة للألعاب، يتم تهيئ محل لا يمكن إلا أن تحوم حوله كل الشبهات؛ إذ ليس بريئا، أبدا، أن يتم اختيار المكان الواقع بين مؤسستين جامعيتين (المدرسة العليا للفنون والمهن L’E.S.A.M والمدرسة العليا للتكنولوجيا L’E.S.T) ومدرسة خاصة للأقسام التحضيرية (مدرسة ابن غازي) وإقامة جامعية (بيت المعرفة) وكذا دار الطالبة ودار الطالب؛ وهي كلها مؤسسات تستقبل شبابا في مقتبل العمر، لا يزالون في حاجة إلى ما يحصن شخصيتهم ويقيها من الانحراف؛ وليس بريئا أن يتم اختيار طابق تحت أرضي La cave(الذي يستعمل عادة كمرأب للسيارات) لإحدى العمارات السكنية (العمارة 94) بحي مرجان 2 (مكناس) من أجل إحداث قاعة للألعاب، في حي سكني بامتياز… تقطن فيه الفئات المتوسطة وكذا بعض الفئات الميسورة الحال».
وقد أضفت أنه «يتضح من اختيار الموقع أن الجمهور المستهدف، هم المراهقون والشباب من أبناء الحي والطلبة الوافدين من كل مناطق المغرب؛ كما يتبين من اختيار المكان أن الألعاب لن تكون إلا غطاء لأشياء أخرى، لن تكون أبدا في صالح شبابنا وأطر المستقبل؛ ولن تجلب للسكان إلا المشاكل والمتاعب. وما خفي كان أعظم !!! «
وقد أثرت في نفس التدوينة استغرابي من موقف المجلس الجماعي وموقف السلطة المحلية؛ إذ قد توصلت هذه الجهات بالتعرض من طرف السكان، منذ أن أعلن عن هذا «المشروع»؛ إلا أنها لم تحرك ساكنا؛ وهذا ما يستنتج من الأشغال الجارية، حاليا، على قدم وساق وبكل اطمئنان (بناء على رخصة الإصلاح رقم 212/2017 وملف عدد 196/2017) لتهيئ المحل المذكور لاستقبال «الزبناء».
ولتوضيح الرؤيا أمام الرأي العام المحلي (ولم لا حتى الوطني ؟)، نورد بعض المعطيات التي تبين، بالملموس، بأن الأمر قد يتعلق بفضيحة من العيار الثقيل.
بتاريخ 8 مايو 2017، نشرت المقاطعة 8 (مرجان 2) إعلانا للعموم حول «بحث عن المنافع والأضرار»(كذا)، مُوقَّع من طرف النائبة السابعة لرئيس جماعة مكناس، مفاده أن السيد غافري فيصل «قد أودع بالمصلحة القانونية ملف يتعلق بإحداث قاعة للألعاب بالعمارة 94 مرجان II – مكناس». وجاء في نفس الإعلان: «فعلى كل من يهمه الأمر أن يتصل بالمصلحة القانونية بجماعة مكناس (ملحقة الإسماعيلية) قصد الاطلاع على هذا الملف وإبداء ملاحظاته، وذلك خلال أجل مدته (15 يوما) ابتداء من تاريخ نشر هذا الإعلان» .
ونظرا للأضرار المادية والمعنوية المحتملة على السكان وخوفا على فلذات أكبادهم، فقد تعبئوا للتعرض على هذا المشروع بواسطة العرائض والرسائل، بعدما تمت مراجعة المصلحة القانونية والتأكد من وجود ملف في الموضع.
وبسرعة فائقة، تحركت تلقائيا لجنة من السكان وتم توقيع عرائض التعرض على المشروع من قبل سكان العمارات (من العمارة رقم 89 إلى العمارة رقم 96) التي تأوي كل واحدة منها ما بين 16 إلى 8 أسر. كما قام سكان المنازل المجاورة للعمارة 94، بنفس المبادرة؛ هذا، بالإضافة إلى رسالة تعرض موقعة من طرف رئيس تعاونية وئام للسكنى ورسالة تعرض أخرى موقعة من قبل ممثل سكان العمارة 94.
وبعد ذلك تم وضع هذه الرسائل والعرائض على دفعتين بمكتب الضبط المركزي (بعد أن رفض مكتب الضبط الموجود بملحقة الإسماعيلية تسلم العرائض والرسائل الحاملة لملاحظات السكان حول الملف المودع بالمصلحة القانونية) لجماعة مكناس (يوم 9 مايو الدفعة الأولى ويوم 15 منه الدفعة الثانية). كما تم وضع رسالة تعرض موقعة من طرف رئيس تعاونية وئام للسكنى ورسالة تعرض أخرى موقعة من قبل ممثل سكان العمارة 94 بمكتب الضبط بالعمالة (يوم 15 مايو)؛ في حين تم تقديم نسخ من العرائض للمقاطعة 8 وللمنطقة الحضرية مرجان.
ويبدو، من خلال تتابع الأحداث، أن الإعلان الذي نحن بصدده، كان الهدف منه هو الشكل فقط؛ إذ بمجرد ما شرعت لجنة السكان في التحرك لجمع التوقيعات والاتصال ببعض المستشارين الجماعيين للاستفسار أو طلب دعمهم ومساندتهم في تحركهم حتى بدأ الحديث عن توفر صاحب المشروع على رخصة موقعة من طرف نائب الرئيس المكلف بالرخص، قبل حتى أن ينشر الإعلان الذي نحن بصدده. ويروج في هذا الشأن تاريخ 4 ماي 2017؛ بينما تاريخ نشر الإعلان للعموم هو، كما أسلفنا، 8 ماي 2017.
ويروج بقوة، في هذا الصدد، كون التوقيع تم بضغوطات خارجية (محسوبية؟ استغلال النفوذ؟… أشياء أخرى؟…). وهو أمر استشفه المسؤولون عن جمع العرائض من الأجوبة التي تلقوها عن أسئلتهم خلال زيارتهم للقسم الاقتصادي بجماعة مكناس ومن اتصالاتهم ببعض المستشارين.
لكن ما هو مؤكد، هو أن العرائض والرسائل التي وضعت بمكتب الضبط المركزي لجماعة مكناس (أتوفر على ملف كامل لهذه العرائض والرسائل)، لم تصل أبدا إلى المصلحة القانونية بملحقة الإسماعيلية. وقد ثبت ذلك من خلال الزيارة التي قام بها إلى المصلحة المعنية ممثل سكان العمارة 94 يوم الأربعاء 19 يويليوز 2017. وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من كون الإعلان الموجه للعموم لم يكن إلا شكليا؛ ذلك أن كل المعطيات تدل على أن الملف لم يخضع للمسطرة المعمول بها، بما في ذلك النشر القانوني للترخيص.
وإذا ثبت أن الترخيص قد سُلم لصاحب المشروع قبل نشر الإعلان للعموم بالمقاطعة الحضرية 8 أو قبل انقضاء الأجل القانوني المحدد في الإعلان المذكور، فنحن، بالفعل، أما فضيحة حقيقية أو كما يقول إخواننا المصريون «فضيحة بْﯖَلاﯖِل».
لقد حاولت لجنة جمع العرائض ومتابعة الملف أن تحصل على نسخة من الترخيص المذكور (إن وجد)؛ لكن دون جدوى بسبب تهرب الجميع (موظفين ومستشارين) من الجواب على هذه النقطة أو الخوض في أمرها؛ إلا ما كان من بعض التلميحات أو من بعض التبريرات غير المقنعة، من قبيل ليست الجماعة هي المسؤولة عن الترخيص لهذه المشاريع؛ بل السلطة هي المسؤولة على ذلك، الخ.
ونعتقد أن للأمر علاقة بالفساد؛ وإن كنا غير قادرين على تحديد نوع هذا الفساد. فهل يتعلق الأمر بفساد إداري أم باستغلال النفوذ أم بالزبونية والمحسوبية أم بالرشوة أم بغير ذلك من أوجه الفساد؟ وهذا ما يتطلب فتح تحقيق موضوعي ونزيه من الجهات المخولة قانونيا من أجل تحديد المسؤوليات.
وعلى كل، فمسؤولية الجماعة في إخلالها بمصلحة السكان ثابتة من خلال الترخيص لمشروع أضراره المحتملة معروفة ومن خلال تجاهلها لتعرض السكان على المشروع المذكور؛ ثم مسؤولية السلطة قائمة لكونها اكتفت بمراسلة الملحقة الإدارية 8 في الموضوع؛ لكن دون أن يترتب عن ذلك ما يفيد الاهتمام بمصلحة السكان ومصلحة الناشئة. فرغم وجاهة أسباب تعرض السكان على إحداث قاعة للألعاب بحيهم، فإنه يبدو أن التجاهل يبقى سيد الموقف.
بالمقابل، فإن السكان عازمون، حسب المعطيات المتوفرة، على استعمال كل الوسائل المشروعة، بما في ذلك الاحتجاج والتجمهر، للدفاع عن حقهم في الهدوء وفي السكينة وحماية أبنائهم من أسباب الانحراف والفشل الدراسي.
الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 22/07/2017