في الحاجة إلى الروح الوطنية

عبد السلام المساوي

إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات وعلى الشباب منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم. وهم الذين يجعلون الشعب يتصور أن المناصب حكر على نوع واحد من المسؤولين، هم ومن ينتسب إليهم إن بقرابة حقيقية أو غرامية أو سياسية أو حزبية أو مصلحية. وهم من جعلوا المناصب وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات. وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير من الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هذه الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى…
نحن في حاجة ماسة إلى نهضة حقيقية تحركها الروح الوطنية، للعمل على كل المستويات لتحقيق تنمية ملموسة، تنقذ شبابنا من غول البطالة الذي يدفعهم كل يوم إلى اليأس والإحباط، والرفع من جودة التعليم بالمدارين الحضري والقروي، ما يمكن من تحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع، وتشجيع البحث العلمي والالتزام بالجدية في الموضوع لمواكبة التطور العالمي، واللحاق بركب الدول المتقدمة، لأن ذلك ليس مستحيلا، باعتبار بلادنا تتوفر على خام من الكفاءات الشابة.
هناك أوراش لا تقبل التأخير مثل الصحة والتعليم والتشغيل، وتتطلب العمل الكثير والقول القليل، لأنها ترتبط بالكرامة ومستقبل الوطن، وحفظ السلم الاجتماعي والاستقرار، وخلق مناخ اقتصادي إيجابي هو الذي يساهم في جلب الاستثمار وكسب ثقة المستثمرين ورأس المال، الذي إذا اكتسبت ثقته حُلّت جل المشاكل والأعطاب الاجتماعية، وأصبح المغرب يسير بسرعة واحدة نحو الازدهار والتقدم.
المغرب “يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين”، هكذا شدد جلالة الملك على حاجة المغرب أيضًا “إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات”. الحاجة اليوم ماسة إلى أحزاب مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، أحزاب تواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الفساد بوطنية وبتقدير حقيقيين، تُقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كُثُر…
نؤمن أن الزمن القادم سيحمل معه إلى زواله كثيرا من الأدعياء والمتسللين والمفسدين والمنافقين ومنتحلي الصفات عنا، وسيعيد إلى ميدان السياسة قليلا من الاحترام الذي كان عليه، وسيجعل من المتعففين من أبنائه المناضلين الوطنيين وجوهه اللامعة، وسيلقي بمن تطفلوا عليه، كل هذه السنوات، إلى حيث يجب أن يكونوا.
المعدن المغربي الأصيل، الذي نعرفه ونؤمن به، ونظل نكتب يوميا أنه هو الأصل، وأن البقية من السلوكات مجرد تشوهات عابرة وسطحية لا يمكن أن تكون معيار الحكم على المغاربة هنا أبدا.
متى يظهر المعدن النفيس؟
لحظة الجد، ولحظة الحسم، ولحظة وصول التأثر إلى أقصى مراحله حدّ تخلصه من كل الشكليات ومظاهر التمثيل الكاذبة، واكتفائه بالحقيقة الأولى: حقيقة الأصل الثابت فينا، الكائن داخلنا منذ البدء وحتى الختام.
كتب المغاربة، ويكتبون حاليا سطرا ذهبيا جديدا من أسطر كتابهم الأكبر المسمى “المغرب”، يعطون به الدليل مجددا على أنهم “أمة المغرب”، و”دولة المغرب”، التي وجدنا من سبقونا يغنون لها عن سابق تجربة واقتناع، وأنهم لم يظهروا فجأة، ولا نبتوا من عدم… يبقى المغاربة وينهار الفاسدون، وتنهار الأحزاب التي خُلقت من عدم وتحتضن المفسدين…
هذه العراقة أصل ثابت فينا يجعلنا لحظة “المعقول” غير قادرين إلا على الصعود إلى الأعلى لكي نلقن الكل الدرس المغربي تلو الدرس المغربي، ولكي نعلن على رأس الأشهاد أن هذا الشعب الطيب البسيط هو فعلا أغنى شعوب الأرض قلبا وأصلا وانتسابا ثابتا لوطن يسري فينا جميعا مسرى الدم في العروق… هذا الشعب الوطني العريق المحب لملكه يرفض الفساد أحزابا وأشخاصا…
الواقع أن الصرامة التي أبانت عنها الدولة في التصدي لعمليات التخريب والإثراء غير المشروع وتبييض أموال المخدرات في العقار والسياسة والرياضة، ينبغي أن تسائل الأحزاب إياها أيضًا “مكونات التغول” في الحكومة والأغلبية والمجالس الجهوية والإقليمية والمحلية.
إن الأحزاب إياها مطالَبة بتنقية عتبة بيوتها من “أشرار السياسة”، وسنّ قوانين داخلية صارمة بلا هوادة، لا تسمح بتسرب الكائنات التي تبحث عن مظلة للاختباء تحتها، أو حصانة برلمانية للتهرب من العقاب وتسفيه القانون.
فلأن الأحزاب إياها تتواطأ وتتهافت على المفسدين لكسب المقاعد، تكبر الخفافيش وتتكاثر في الظلام، وتصبح وبالا على الدولة، وعلى صورتنا جميعا أمام العالم.
قلناها مرارا ونكررها: إن من خُلق من عدم سيظل رهينة ذلك العدم، ويبقى الأصيل أصيلا، فمن كان له ماضٍ سيكون له حتما مستقبل… ويبقى الاتحاد الاشتراكي حزبا وطنيا أصيلا، رقما أساسيا في ثورة الملك والشعب التي تتجدد في كل لحظة وحين.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 18/08/2025