ما تقيسوش فاطمة الزهراء الشيخي

عبد السلام المساوي

ما تقيسوش فاطمة الزهراء الشيخي أيها الوافدون على السياسة، على تدبير الشأن المحلي والعام… أنتم دخلاء وساقطون سهوا على البلد… فاطمة مناضلة اتحادية… أصيلة ومتأصلة… والاتحاديات والاتحاديون، كل الاتحاديات والاتحاديين لن يسمحوا لرئيس جماعة تطوان وكل من على شاكلته أن يمس مناضلة رضعت الكرامة في معبد الشجعان… هي عنوان المرأة المناضلة النزيهة والأنيقة..إنها اتحادية…
إن الحرية في نظر فاطمة الزهراء الشيخي لا تختزل فقط في السياسي … بل تتعداها إلى الجانب الإنساني العاطفي… من هنا آمنت، ولاحظنا كيف ترجمت إيمانها إلى الفعل والميدان، آمنت أن إنجاح نداء الأفق الاتحادي-نداء المصالحة، يفترض الاقتناع بحقيقتين أساسيتين: التفاؤل والحوار؛ في مفهومه الإيجابي المحكوم بفتح القلوب قبل العقول، والمحكوم بمنطق توسيع دائرة الانفتاح، لا منطق الانغلاق والإقصاء… والمحكوم بمنطق الحب لا منطق الحقد…
ولاحظنا كيف كانت فاطمة الزهراء الشيخي في هذه المحطة، كما في المحطات السابقة، مؤمنة بالمصالحة؛ كانت الوحدة في الكثرة، الحب في الاختلاف، الخيط الناظم بين الأخوات المناضلات…
فاطمة، وليس أحد غيرها… لا تزاحم أحدا على «مساحة» ولا على «تفاحة»… هي امرأة استثنائية بحبها… نبتت في تربة هذا البلد… ويحق لنا أن نبتهج أن هذه الأرض أعطت هكذا ثمار…. تحية لحمامة الشمال…. تحية لتطوان…
اقتحمت فاطمة الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل… تأتي في زمن مغربي صعب وعسير… تأتي لتبشر بعودة «السبع السمان»  منتصرة على «السبع العجاف»، لتملأ أرضنا خصبا، وبيادرنا حبا وحبا… تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للاتحاد الاشتراكي… جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم، واحتفلنا بألحان النشيد الاتحادي… رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات، الاعتماد على النفس، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود… قد يكون الميلاد حلوا… إنما المستقبل أحلى… تأتي فاطمة لتكسر الصمت وتحطم المألوف، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة… لتسمو عن دونية الحريم وخسة «العيالات والولايا»  وتعانق شموخ الإنسان وكبرياء المرأة…
مسار أكاديمي وتكويني متنوع ومتميز… إنها كفاءة
منذ بداية البدايات عشقت الكلمة وداعبت القلم… عز عليها أن تسقط فتستجيب لطيور الظلام… عز عليها أن تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة… لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الدراسة مهما غضب السيد والجلاد… أصرت على أن تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وإن كان الزمن زمن جهل ورداءة… إذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الآفاق من أن لا نجد مناضلة مقتدرة تنبهنا وتهدينا… فإن فاطمة التي أطلقت في زمن الصمت صرخة، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد…
تنتمي فاطمة الزهراء الشيخي إلى جيل «الحركة الديموقراطية» الذي رسم ومازال يرسم إلى اليوم علامات وضاءة، ليس من السهل، كما يرى باحثون ومتتبعون، أن يأتي الزمان بها، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم، هي دون ذلك الذي كانت تعده به إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
من هذا الجيل المناضل، الوطني والديموقراطي، إذن، الذي كان يضم مناضلي اليسار، تستمد فاطمة وسائلها وأغراضها وأدواتها السياسية، فالشيخي تختزل المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب، فهي السياسية والجمعوية  والمناضلة… تعتبر نموذجا حيا لظاهرة المرأة الاتحادية…
لقد وعت فاطمة الزهراء الشيخي على أسرة ترعرعت في مدرسة سياسية وطنية، إنها «مدرسة الحركة الوطنية»، التي تركت للتاريخ واحدة من أجمل وأحسن التجارب النضالية، هي تجربة «ثورة الملك والشعب»، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس، معنى لنضال الدولة والشعب المغربيين، من أجل مطلبين فقط وهما الحرية والاستقلال، ثم الديموقراطية والحداثة…
تعطرت بوعي سياسي مبكر، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب… في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح… اختارت أن تكون اتحادية؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم… انخرطت في العمل السياسي وهي فتاة؛ والفتاة عندما تعانق السياسة تصبح ثورية بالضرورة، وإذا عانقتها في حزب يروم التحرر من الجمود والتخلف فإنها تبلغ سقف الالتزام المؤسس على جروح الوطن… فاطمة الزهراء الشيخي منتوج اتحادي، ارتشفت السياسة في مدرسة الاتحاد الاشتراكي مناضلة وقائدة…
عانقت النضال وهي بالكاد شابة.. شكلت ومازالت قيمة مضافة لحزب الاتحاد الاشتراكي… تحاصرها أسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها… المناضلة صاحبة قضية، وعلى فاطمة أن تواجه الأمواج والإعصار… فهذه قناعتها وهذا واجبها… وهذه مهمتها.. وإلا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية… هكذا نرى المناضلة فاطمة ترى الأشياء… وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه… فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون…. شافاكم الله! لكم التين ولنا الزيتون، وبين التين والزيتون، آمنت فاطمة أن النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي، بل إنه قناعة انطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما سياسيا… هذا جوهر كينونتها وعنوان هويتها… التحدي هو سيد الميدان… وقفت فاطمة فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للذل والمهانة… إنها صاحبة إشكالية ملحاحة، وملحة في اقتراح الحلول لها، إشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته….
أعلنت انتماءها العضوي لقضايا الإنسان… مناضلة فاعلة ومبادرة؛ مشاركتها في العديد من الندوات الفكرية والتوعوية تجسد المبدأ والرؤية… وحضورها في الميدان… في الفضاء… في المجتمع… يؤكد سمو الفكر ورفعة الأخلاق… إنها ديموقراطية… إنها حداثية… والحداثة عندها ليست بالمعنى المبتذل، اللاواعي واللامؤسس، بل الحداثة النابعة من فكر الأنوار… الحداثة المؤسسة على العقل؛ عقلنة التفكير… عقلنة المجتمع… عقلنة السلوك… آلام المرحلة حاضرة في وعيها… هي فاطمة، إذن، حداثية بموروث ثقافي… حداثية بموروث مغربي أصيل.. مناضلة بقناعاتها… وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها، دون أن تخضع لأي أمر أو قرار… تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها… وتقول لا للوصاية والتوريث، لا لإعطاء الدروس بالمجان… لم تسقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي… هي اتحادية إيمانا واختيارا… اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالنضال والتضحية…
ومنذ طفولتها كانت فاطمة امرأة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب، تصطحب ظلها لمواجهة المجهول… لمجابهة المثبطات، لعناق الأمل، ودائما تحمل في كفها دفاتر وورودا، وفي ذهنها أفكار ومبادرات، وعلى كتفها مهام ومسؤوليات، فهي تكره الفراغ… أن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه… وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا، يكون الوعي متحركا… وعي بأن الحياة خير وشر.. مد وجزر… مجد وانحطاط… ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح… تكون المبادرة ويكون التحدي… تكون الطريق المؤدية إلى النتائج… وتقول فاطمة: «لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه»… منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح، في التسيير والنضال، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح في الثالوث الذي يؤثث مسارها؛ السياسة، العمل الجمعوي، التواصل…
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية… تكره الأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس… لا… هي امرأة جد  متفائلة، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل… وهذا الطموح… وهذا الحب اللامشروط لتطوان رغم الكآبة في السماء والأسى لدى الآخرين… رغم اغتصاب جمال تطوان من طرف طيور الظلام… الوحوش التي تسب المرأة…
ارتشفت ثدي الاشتراكية الديموقراطية ونهلت من حليبها، وتشبعت بمبادئها وقيمها الإنسانية…
تقوم فلسفة فاطمة الزهراء الشيخي في الأداء الحزبي  على مبدأ الانتماء، فهي مشبعة بهذا المبدأ وترى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الإحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على الوطن وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة، بل إنها تعتقد واثقة أن الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للمؤسسة التي تمثل حقل خدمة الوطن….
إن السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري، لا الأستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا، هنا والآن، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات وإن كانت النيات وجاهتها الأخلاقية.
لحسن حظنا لم يعد هناك ذو عقل بعد كل هذا، أن يعلو كرسي الأستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية.. وبالنسبة لفاطمة، فرغم «الكبوة» التي مست الاتحاد الاشتراكي، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح تجار الدين  أن يقروا بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لن تتحقق بدون حزب من وزنه…
إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي تفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي ملك لكل الديموقراطيين وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية، بشكل عام، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد…
فاطمة الزهراء الشيخي مناضلة اتحادية ومواطنة وطنية… إنها اتحادية تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ… اختيارا لا قسرا… تنسجم بيد أنها لا تذوب… هي ذات فرادى واختلاف… تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم، وتعود مثقلة بالتجارب والمعارف لتبشر بغد جميل لمغرب جميل… لا يمكن أن تحشر في زمرة السياسيين الكسالى، فهي ليست منهم، لأنها محصنة، ولكنها تعرف أن الطريق ألغام وكوابيس… وقائع وانفجارات.. دسائس وإشاعات… لهذا تمضي بحكمة وثبات… تفضح الكوابيس وتنبه إلى صخبها… تنبه إلى الإغراءات وتحذر من مخاطرها… لترتفع  إلى مقام المسؤولية الملتزمة…. وليست منهم لأنها رضعت الأناقة والأنافة في معبد الشجعان… فاسمحوا لي أن أعلنها صاحبة قضية….
لفاطمة حضور نضالي قوي، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار نضالي ومهني… هي أصلا تربت ضد الصمت.. تربت على كره النفاق والغدر.. وهي طفلة، وهي تنمو، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة… مترفعة في لحظات الهرولة… واثقة في زمن التيه… مؤمنة بأن النجاح اجتهاد وعمل… وأن النضال اختيار والتزام…
تلقت تربية نزعت منها للأبد الإحساس بالخوف والاستسلام… وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق… تربية زرعت فيها الصمود والتصدي… تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة… تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا… تمطر حبا حينا ونارا أحيانا….
فاطمة تتصف بكل خصال المناضلة الملتزمة… بسيطة ومتواضعة، كريمة وصادقة، مخلصة ووفية؛ وفية للوطن، وفية للتاريخ، للأصدقاء… نزيهة فكريا وأخلاقيا… طاقة جبارة على التعبئة والنضال في مختلف الواجهات….
عقلانية فكرا وممارسة، العقل معيار الحقيقة، العقل منهج لمحاربة التضليل والتشكيك… تمقت الانفعالات والتفكير بالعاطفة والانسياق وراء الشعارات والوقوع سجينة الحماس المرضي… تؤمن بأن التاريخ يصنع، ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين، فإما أن ننخرط فيه، وندقق كيفية وطريقة الانخراط وإلا أصبحنا متجاوزين، سلبيين وعدميين….
الأناقة هي العنوان
بالرغم من أنها غادرت عمر الزهور، فإنها مازالت محتفظة ببريقها وديناميتها، بأناقتها وتألقها، ففاطمة التي تمرست بنضالات الالتزام النقابي والسياسي مازالت متمسكة بوهج الحياة… صفة الشباب تلازمها أينما حلت وارتحلت… فاعلة ديناميكية… تتمتع بخاصية فريدة في التواصل والمرح التي لا تخفي جديتها وصرامتها، تتميز بحسن الدعابة بالرغم من أنها تقتصد في ابتسامتها… عنيدة مثل جغرافية المغرب….
إنسانة بشوشة في طيبوبتها، وطيبة ببشاشتها… قوية بهدوئها، وهادئة بقوتها… هكذا كما نعرفها، اسمها فاطمة… اجتماعية بطبعها… وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها، دون أن تخضع لأي أمر أو قرار… تحب المبادرات والأعمال التضامنية… وتقول «لا» لإعطاء الدروس بالمجان…
تتميز بأنها متعددة الميزات، ولا فرق بين مميزاتها… إنها تعترض ولا تعارض، تفعل ولا تقول، تواكب ولا تساير… تنضبط ولا تخضع، ضمير لا يدعي الحكمة، رافضة لا تدعي الثورة، وطنية خام ومواطنة أصيلة…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 18/01/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *