«مدارس بسرعات مختلفة…أي مستقبل لإصلاح تعليمي متعثر؟»

بقلم الدكتور عبد الإله طلوع (*)

منذ سنوات، والحديث عن إصلاح التعليم في المغرب يتكرر مثل لازمة حزينة، تتغير الشعارات لكن تظل النتائج متواضعة.
في الموسم الدراسي الحالي، برز نموذج “مدارس الريادة” باعتباره واجهة جديدة للإصلاح، غير أنّ الواقع على الأرض يكشف عن صورة متناقضة: مدارس تسير بسرعة فائقة بفضل توفرها على تجهيزات وموارد، وأخرى لا تزال تراوح مكانها في انتظار نصيبها من هذا “الورش الإصلاحي” الذي لم يعمّم بعد.
هذه المفارقة تعكس إشكالية “التفييئ” في المنظومة التعليمية، حيث يتم تفضيل مؤسسات على حساب أخرى، مما يكرّس منطق “مدرسة بسرعتين”، بل وربما بثلاث سرعات. فهناك مؤسسات نموذجية استفادت من دعم إضافي، وأخرى اضطرت للاستعانة بقاعات تابعة لمؤسسات مجاورة لاستيعاب أنشطة البرنامج، فيما مؤسسات أخرى تكتفي بالمشاهدة والانتظار. هذا الوضع يطرح سؤال العدالة التربوية الذي ظل شعاراً نظرياً أكثر منه ممارسة فعلية.
الأخطر من ذلك أن عدداً من الفاعلين التربويين، من مفتشين وأساتذة ومسؤولين إداريين، يكتبون تقارير وردية عن هذا الإصلاح، رغم أنهم يدركون جيداً حجم الأعطاب التي ترافقه. والحقيقة أن الشهادة في هذا المجال ليست مجرد رأي مهني، بل هي مسؤولية أخلاقية ودينية، إذ تعد شهادة أمام الله والتاريخ.
إن المجاملة في قضايا التعليم خيانة لمستقبل الأجيال، والتغاضي عن الاختلالات لا يخدم إلا استمرار الفشل.

وقد جاء تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين ليعزز هذه الصورة القاتمة، إذ انتقد بوضوح محدودية التمويل المخصص للمؤسسات، مؤكداً أن الميزانية المرصودة لهذا الورش لا ترقى إلى مستوى الرهانات المطروحة.
كيف يمكن الحديث عن إصلاح شامل في ظل موارد مالية هزيلة؟ وكيف يمكن للمؤسسات أن تنهض بأعباء الإصلاح وهي عاجزة حتى عن توفير أبسط الوسائل البيداغوجية؟
إن ما نراه اليوم هو إصلاحات “بالقطاعي” و”بالانتقائي”، حيث يتم تجريب النماذج على عينة محدودة من المدارس، بينما يظل التعميم مؤجلاً إلى أجل غير مسمى. هذا الأسلوب لا يضمن عدالة تربوية، بل يعمّق الفوارق بين أبناء الوطن الواحد، وإذا أضفنا إلى ذلك غياب رؤية مندمجة تضع الأستاذ في صلب العملية التعليمية باعتباره ركيزة الإصلاح، ندرك لماذا تظل النتائج دون السقف المنتظر.

التعليم ليس حقل تجارب عابرة، بل هو استثمار استراتيجي طويل المدى، وإذا كانت التقارير الرسمية نفسها تحذر من فشل النماذج السابقة، فإن الإصرار على إعادة إنتاج نفس الأساليب مع تغييرات شكلية لن يقود إلا إلى نفس المآلات. والمطلوب اليوم شجاعة سياسية وفكرية للاعتراف بأن الإصلاح الحالي تعثر منذ بدايته، وأن إنقاذ المدرسة المغربية يمر عبر مصارحة الرأي العام بحقيقة الوضع، بدل الاكتفاء بخطاب الإنجازات المبالغ فيه.
لقد آن الأوان لتبني إصلاح عادل، متوازن، وواقعي، يستند إلى تمويل كافٍ وإرادة حقيقية، لا إلى شعارات فضفاضة وتقارير مزخرفة. فالأطفال الذين يلجون اليوم أقساماً غير مؤهلة ولا مجهزة هم مواطنو الغد، ومستقبل الوطن مرهون بجودة تعليمهم، وإصلاح التعليم ليس ترفاً سياسياً أو إدارياً، بل هو معركة وجودية تحدد مصير المغرب في العقود المقبلة.

(*) باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

الكاتب : بقلم الدكتور عبد الإله طلوع (*) - بتاريخ : 18/09/2025