من أجل حماية الحق في الحياة

النقيب الأستاذ: محمد كمال مهدي

إن حالة الطوارئ الصحية السائدة في بلادنا، لم تكن اختيارا مؤسساتيا، أو اختيار دولة لتقييد الحريات، وتعليق آثار القانون ونفاذه، وإنما كانت ضرورة موضوعية حياتية، لمواجهة وباء فيروس يهدد أحد أهم مقومات الدولة. وهو الشعب. وإذ نحن في زمن موبوء يتهدد الإنسان المغربي في وجوده، فيفرض علينا كشعب ومؤسسات دستورية، أن نترك على الجانب كل القضايا الخلافية العالقة بيننا، بحكم ضرورات التجاذب السياسي ذي البعيد التاريخي، والذي يعتمل داخل كل الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها ودرجات ديمقراطيتها في العالم – وان نوجه إرادتنا الموحدة للتصدي لعدو واحد يستهدفنا جميعا ويستهدف حيواتنا، و ذلك بمحاصرته وتحجيم قدرته على الانتشار فوق تراب وطننا والفتك بنا. إنها الحرب فعلا. لكن العدو فيها خفي لا يبارزنا وجها لوجه، انما يتصيدنا أفرادا وجماعات، دون أن نملك في مواجهته سلاحا، غير الانضباط الجماعي تحت سقف قرارات السلطة العامة، حتى نتمكن من ضمان الاستمرار على نهج التحكم في سرعة انتشار الوباء ومحاصرته باعتماد سلاح الوحيد والفعال هو الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.
فنحن إذن نعيش زمنا مغربيا، بل وعالميا استثنائيا بما يقتضي من الأفراد والمؤسسات تدبير هذا الزمن بقرارات استثنائية كذلك. وهي قرارات بطبيعتها تلك، تنتهج آثارا على سير المؤسسات والمرافق والمرتفقين على السواء، بنقلها من الوضع العادي إلى وضع استثنائي اقتضته الحالة العامة والمحنة التي تجتازها البلاد. ومن هنا تستمد بعض القرارات الحكومية – إن استنبطت ما يخالف بعضا من القانون – مشروعيتها ومشروعية آثارها، ومن ضمنها القرار الذي اتخذته وزارة العدل القاضي باعتماد آليات المحاكمات عن بعد لتصريف قضايا المعتقلين احتياطيا على ذمة قضايا جنحية أو جنائية مستحضرة في ذلك ما تحمله المحاكمات الحضورية من مخاطر على المتهمين والمهنيين الفاعلين في فضاءات المحاكم.
وعلى غرار العديد من القرارات التي علقت العمل بالمواعيد النظامية، العديد من القطاعات، ومنها قرارات استهدفت حتى النشاط الديني للمواطنات والمواطنين، وقضت بإغلاق المساجد وتعليق صلاة الجماعة والجمعة فيها، لما تحمله ممارسة هاته الفروض الدينية الثابتة في معتقد المغاربة ووجدانهم من مخاطر نقل العدوى، والزيادة في منسوب سرعة انتشار الفيروس بفعل الاختلاط الدائم والمنتظم. على غرار ذلك وعلى نفس نهج محاصرة الوباء، جاء قرار تنظيم محاكمات زجرية عن بعد، ليستعاض بها عن إحضار المتهمين أمام هيئات الحكم، بعد نقلهم من المؤسسات السجنية إلى مقرات المحاكم، بسبب ما يحف هذه العملية اليومية والمنتظمة من مخاطر كبرى ممثلة الاحتمالات الواقعية الشديدة لنقل العدوى، ولا تقل خطورة عن كل مظاهر الاختلاط الأخرى الموقوفة، وما يصدق هذا القول هو البؤرة الوبائية التي نشأت في سجن ورزازات، وما فتئت تتفاقم وتتزايد، ومنها وجب علينا استخلاص العبر، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بضمان عدم تكرارها في سجون ومدن أخرى، والمرشحة فعلا لذلك (طنجة 5 حالات – سلا 2حالات) وهو ماينذر اذ نحن لم نوقف عملية نقل السجناء بتفشي هذا الوباء بشكل مريع داخل المؤسسات السجنية المغربية وهو ما يهدد صحة وحياة نزلائها.
وتبعا لذلك، أستسمح بعضا من السادة النقباء والزميلات والزملاء في أن أخالفهم الرأي في رفضهم لإعمال هذه الآلية بعلة مخالفتها لإحكام قانون المسطرة الجنائية ولمعايير المحاكمة العادلة، وإذ أقدر كبير التقدير حرصهم على إعمال القانون فيما يتعلق منه بحقوق الدفاع فإنني أرى أهم تغاضوا عن استحضار الحالة الوبائية العامة السائدة في المملكة التي استوجبت إعلان حالة طوارئ صحية (مازالت مستمرة من 20 مارس الماضي والى غاية 20 ماي المقبل)، وهذه الأخيرة تتيح إمكانية اتخاذ كل القرارات الهادفة إلى حماية الصحة العامة باعتبارها من مشمولات النظام العام المغربي، ووقف العمل مؤقتا بعض إحكام القانون لصالح هذا الهدف الوطني الاستراتيجي العام، علما بأن كل حالة طوارئ تحمل معها وفي زمن نفاذها، قرارات تحدث تغييرات صادمة أحيانا في أوضاع الناس، فضلا عن تغييرات قد تستهدف السير العادي للمرافق والمؤسسات العامة والخاصة ولا يستساغ أن تستثنى من تلكم الآثار المحاكم والمؤسسات السجنية. بما يفرض اتخاذ كل التدابير المنسجمة مع أحكام الطوارئ. حماية لساكنة السجون ولجميع مكونات العدالة والعملية القضائية ولا سيما في شقها المتعلق بتدبير المحاكمات في الدعوى العمومية داخل فضاءات المحاكم لما في ذلك من تهديد أكيد ومشهود للحق في الحياة. والحق في الحياة أولى بالحماية من الحق في الحضور أمام المحكمة، وهو يجب غيره من الحقوق في زمننا الراهن.

الكاتب : النقيب الأستاذ: محمد كمال مهدي - بتاريخ : 28/04/2020