من أجل علاقة أكثر صلابة بين المغرب وإسبانيا

أحمد نورالدين

الذكاء المشترك للرباط ومدريد استطاع أن يُحول أزمة «ابن بطوش» التي كانت تقف وراءها الجزائر إلى فرصة ومنعطف حاسم لتدشين “مرحلة جديدة” وصفها العاهل المغربي بـ “غير المسبوقة” في خطاب 20 غشت 2021، وقال عنها العاهل الإسباني في خطابه أمام السلك الدبلوماسي في 17 يناير 2022 بأنها ستعيد “تحديد العلاقة بشكل مشترك للقرن الحادي والعشرين”، لتكون “الأقوى والأكثر صلابة”.
إسبانيا تعتبر الشريك التجاري الأول للمغرب حيث تجاوزت المبادلات التجارية عتبة 17 مليار أورو بين الجانبين، ومن حيث الاستثمارات الخارجية بتواجد أزيد من 800 شركة إسبانية في المغرب، ومن حيث العلاقات الإنسانية بتواجد ما يفوق 750 ألف مغربي في المملكة الإيبيرية، بالإضافة إلى تواجد حوالي ستة ملايين مواطن بالمغرب يتحدثون لغة «سرفانتيس»، وهي أكبر جماعة ناطقة بالإسبانية خارج إسبانيا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب إحدى أكبر الشبكات للمراكز الثقافية الإسبانية عبر العالم.
ولفهم ما هو مطروح للنقاش في هذه الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين الحكومتين، يجب أن نرجع إلى الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك في مارس الماضي، حيث أكد فيها على «المصير المشترك»، واعتبر «المغرب حليفا استراتيجيا لإسبانيا»، وأكثر من ذلك «ربط ازدهار إسبانيا بالمغرب والعكس صحيح»، وهناك عبارة أخرى مهمة جداً وردت في رسالة بيدرو سانشيز تخصّ «الامتناع عن كل عمل أحادي» في إشارة إلى ترسيم الحدود البحرية للمغرب عام 2020 رغم أنه عمل سيادي قام به المغرب وفقا للقانون الدولي، ولذلك لم تعلق عليه مدريد رسمياً. إذا ربطنا ذلك بما ورد في البيان المشترك للسابع من أبريل حول «تفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية، بهدف تحقيق تقدم ملموس»، يمكن أن نقول إن هذه هي بؤرة الاهتمام الإسباني حالياً إلى جانب قضايا الهجرة والأمن والتجارة.
في المقابل عبّر جلالة الملك بوضوح بأنّ «المغرب لا يتفاوض على صحرائه»، وأن المملكة «لن تبرم اي شراكة مع الدول التي لا تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء»، وأنّ «الصحراء المغربية هي المنظار الذي يرى به المغرب علاقاته مع الدول الأخرى». كما عبر المغرب بوضوح أيضاً عن الأسس التي يجب أن تحكم العلاقات بين الجارين لتفادي الأزمات مستقبلاً، وهي الثقة والشفافية واحترام الالتزامات في إشارة إلى حادثة «ابن بطوش» التي وجهت ضربة للثقة وللاتفاقيات والالتزامات المبرمة بين البلدين.
نحن إذن أمام محددات واضحة وضعها البلدان لإرساء قواعد «المرحلة الجديدة» في علاقات الشراكة بينهما، ولكن يجب ألاّ نفصل مُحدّدا أو مبدأ عن الآخر، فإسبانيا من حقها أن تطمح إلى تطوير التعاون مع المغرب في استغلال الجرف القاري والمنطقة التجارية الخالصة على الأطلسي، وفي المقابل من حق المغرب أن يربط النقاش على الحدود البحرية الأطلسية بملفات حدوده على البحر المتوسط أو في الصحراء.
بمعنى آخر من حق المغرب أن يطالب بإعادة الجزر المحتلة على البحر المتوسط فوراً دون تأجيل لأنها ليست مأهولة وليس هناك ما يبرر بقاءها تحت الاحتلال، وهي 11 جزيرة ولا يتعلق الأمر بالجزر الجعفرية وحدها، ثمّ في خطوة ثانية يمكن أن نتفق سوياً على أجندة لعودة سبتة ومليلية تحت السيادة المغربية، وفقاً لتفاهمات تحترم روح القرن الواحد والعشرين. ولنا في هونغ كونغ مثالاً يمكن الاستفادة منه. والجميع يدرك أنّ بقاء هذه الثغور تحت الاحتلال سيشكل قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت. وأظن أن جزءا من الطبقة السياسية في إسبانيا أصبح واعيا بذلك، وهذا ما أكده التصريح الأخير لوزيرة الإسكان الإسبانية السابقة ماريا تروخيو وغيرها.
ومن جهة أخرى من حق المغرب أن يطالب إسبانيا بعد المراجعة التاريخية لموقفها من الصحراء المغربية، وبحكم المسؤولية التاريخية عن خلق النزاع في الصحراء بسبب تقسيم أراضي المملكة إلى مناطق نفوذ بين إسبانيا وفرنسا وبسبب تماطل مدريد في إعادة الأراضي المغربية، حيث أعادت بالتقسيط منطقة الشمال 1956 ثم طرفاية 1958 ثم سيدي إفني 1969 وأخيراً الصحراء 1975، أن تحصن موقفها رسمياً من الصحراء، من أي تغيير مستقبلي طارئ، ويتم ذلك بإعلان حكومي واضح يتم نشره في الجريدة الرسمية الإسبانية ويتم توزيعه كوثيقة رسمية لدى الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، ومن خلال تضمين الخارطة المغربية كاملة غير منقوصة في كل الاتفاقيات التي ستوقع، وفي وسائل الإعلام الإسبانية الرسمية ومناهج التعليم. ومن جهة ثانية أن تساهم في مساعي المغرب لإقناع الدول الأوربية بسيادة المغرب على صحرائه بحكم ما تملكه من أرشيف يؤكد مغربية الصحراء ويوثق لما تعرض له من مؤامرات استعمارية لتفتيت أراضيه.
من حق إسبانيا أن تطلب دعم المغرب لوقف التدفقات غير النظامية للمهاجرين نحو أراضيها، وفي المقابل من حق المغرب أن يشترط التزاما إسبانيا لرفع الدعم الأوربي المباشر لمواجهة ظاهرة الهجرة، على الأقل ليصل إلى حجم الدعم المقدم من طرف الاتحاد الأوربي لتركيا وهو ثلاثة مليارات دولار بدل المائة مليون دولار الحالية للمغرب.
وفي نفس السياق دائماً من حقنا أن نطالب بزيادة حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة لإسبانيا في المغرب وفي أقاليمه الجنوبية كذلك، لأن توطين أزيد من خمسين ألف مواطن إفريقي من جنوب الصحراء يستوجب مجهوداً مالياً إضافياً يرهق الميزانية العامة للدولة من أجل خلق فرص الشغل لهؤلاء المهاجرين وعائلاتهم وإدماجهم في المنظومة الاجتماعية والخدماتية.
وأخيراً من حق إسبانيا أن تسعى لتعميق التعاون مع المغرب في الملف الأمني ومكافحة الإرهاب، ومن حق المغرب أن يطالبها بمنع كل الأنشطة المعادية للمغرب فوق التراب الإسباني سواء التي تقوم بها الجزائر مباشرة أو بالوكالة، أو تلك التي تقوم بها جبهة «البوليساريو» الانفصالية وجمعياتها التي تتستّر وراء أنشطة إنسانية أو حقوقية.
قد لا نتفق على بعض الملفات أو التفاصيل، ولكن لا يمكن أن نُحصّن مستقبل العلاقات بين البلدين إذا لم نطرح كل الملفات على الطاولة دون طابوهات، وقد تدفعنا بعض الحسابات الجيوسياسية إلى غض الطرف عن بعض المطالب، ولكن ليس من حقنا أن نقدم تنازلات في قضايانا الأساسية والسيادية.

الكاتب : أحمد نورالدين - بتاريخ : 03/02/2023

التعليقات مغلقة.