من وحي زمن كورونا: أين اختفت منظمات المجتمع المدني؟
عبد السلام الرجواني
موازاة مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عرف المغرب انفجارا جمعويا لا مثيل له، انشطرت كثير من الجمعيات وتناسلت، وبادر كل من لا شغل له إلى تأسيس إطار جمعوي جديد حتى أصبح في كل حي وزقاق وفي كل قرية ومدشر أكثر من جمعية لا يزيد عدد منخرطيها في حالات كثيرة عن أعضاء مكاتبها، ويتقلص في حالات أخرى إلى أقل من ذلك. تأبط بعضهم محفظات ضمنوها برامج مستنسخة ونمطية إلى جانب أختام وطلبات الدعم، وجعلوا من العمل « الجمعوي» وظيفة مقنعة تدر عليهم أموالا تقيهم عوز العطالة وتمكنهم من نصيبهم من الريع… هكذا فقد العمل الجمعوي بعده الإنساني وتنكر بعض ممتهنيه للمبادئ التي حكمت الحركة الجمعوية المغربية الأصيلة، مبادئ التطوع والتضامن وتأطير الشباب للرفع من وعيه الثقافي والاجتماعي والسياسي، إلى جانب ما تعرضت له الممارسة الجمعوية من مسخ ثقافي وتدجين سياسي تمكنت الحركة الإسلاموية من تحريف العمل الجمعوي عن أهدافه المدنية وتحويله إلى عمل دعوي مناوئ للقيم المدنية، قيم الحرية والتسامح والتعايش.
بدل أن تكون الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مؤسسات مستقلة وداعمة لجهود الدولة في مجال التنمية ولا سيما التنمية الثقافية والاجتماعية من خلال عمل تأطيري متميز، هادف ومستدام، أصبح جلها يقتات من دعومات حكومية ومنح المؤسسات المنتخبة، مما كرس تبعية الجمعوي للسياسي، وأفقد المجتمع المدني المغربي استقلاليته عن المؤسسات الرسمية الدولتية والحزبية، لدرجة أن وجود بعض الجمعيات وقدرتها على المبادرة أصبحا مرهونين بمدى ولائها لهذه الجهة أو تلك ( رئيس جماعة ترابية، مسؤول حزبي أو حكومي… إلخ).
وإذا كان لجائحة كورونا من فوائد! فمن بين هذه الأخيرة أنها أبانت عن ضعف كبير للمجتمع المدني في الإسهام في مواجهة الجائحة، من حيث التوعية والتحسيس والتأطير. فمن المؤسف أن حضور ما يناهز 150 ألف جمعية كان ضئيلا جدا حتى لا نقول منعدما تماما، والحال أنه كان بإمكان الجمعيات أن تلعب دورا أساسيا في مواجهة تفشي الوباء بدل أن تقف موقف المتفرج وأحيانا موقف الانتقاد المجاني تجاه الإجراءات الاحترازية التي لجأت إليها السلطات بدعوى الدفاع عن الحريات. ومما لاشك فيه أن تدهور الوضع الوبائي ببلادنا في الأسابيع الأخيرة يعود بنسبة عالية إلى السلوك اللامسؤول للمواطنين والمواطنات الذين لم يتقيدوا ولم يحترموا الممارسات الوقائية الجيدة، مما يعني ضعف الوعي الصحي لدى العامة. إنه مشكل ثقافي وتربوي يصعب على الدولة وحدها معالجته، مما يفرض الآن وقبل فوات الأوان على المجتمع المدني والنسيج الجمعوي أن يستفيق من غيبوبته وأن ينخرط ذاتيا في حملة تعبوية وطنية أساسها توعية المواطنين بمخاطر الوباء…
الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 12/08/2020