«منتصب القامة يمشي ملكا» وقالت إسبانيا «آمين»

صابرين المساوي

مع البلاغ الهام الصادر عن الديوان الملكي، الجمعة 18 مارس 2022 ، الذي أخبر المغاربة بفحوى الرسالة التي توصل بها جلالة الملك من رئيس الحكومة الإسبانية، والتي أكد فيها هذا الأخير أن إسبانيا تعرف قيمة وأهمية ومكانة قضية الصحراء المغربية لدى كل واحد من المغربيات والمغاربة، قبل التأكيد على أن الحل الجدي الوحيد للنزاع المفتعل حول صحرائنا هو الحل الذي يقترحه المغرب، ازداد اقتناع شعبنا وأصدقائنا في كل مكان أن شعار « واثق الخطوة يمشي ملكا «، الذي تتبناه الديبلوماسية المغربية، هو أكبر من شعار ، بل هو الإيمان كله بهذا المسار الطويل والدائم دفاعا عن قضايانا المصيرية، وفي مقدمتها قضية صحرائنا .
في خطاب الاحتفال بثورة الملك والشعب ( السنة الفارطة 2021 ) ، قال جلالة الملك بالحرف : « شعبي العزيز ، هناك من يقول بأن المغرب يتعرض لهذه الهجمات بسبب تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي، وطريقة تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية في نفس الوقت .
هذا غير صحيح، المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا . وفي نفس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار .
وهو نفس المنطق، الذي يحكم توجهنا اليوم، في علاقتنا مع جارتنا اسبانيا .
صحيح أن هذه العلاقات مرت، في الفترة الأخيرة، بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي، الثقة المتبادلة، وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها .
غير أننا اشتغلنا مع الطرف الإسباني، بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية، فإضافة إلى الثوابت التقليدية، التي ترتكز عليها، نحرص اليوم على تعزيزها بالفهم المشترك لمصالح البلدين الجارين .
وقد تابعت شخصيا، وبشكل مباشر، سير الحوار، وتطور المفاوضات، ولم يكن هدفنا هو الخروج من هذه الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات. وإننا نتطلع ، بكل صدق وتفاؤل، لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، ومع رئيسها معالي السيدpedrosanchez، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة ، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات « .
يوم الجمعة الماضي ، وبعد مضي سبعة أشهر بالتحديد على الكلام الملكي، قالت إسبانيا « أمين .»
استوعبت جارتنا الشمالية بمنطق الصداقة الدائم أن البقاء في المكان كله للأصلح، وفهم أصدقاؤنا هناك ( والمغرب ظل دائما وأبدا يعتبرهم أصدقاء رغم كل شيء ) أن الرهان يكون لدى الدول العاقلة على الجدية، وعلى الالتزام، وعلى روح المسؤولية، وعلى مراعاة المصالح المشتركة مراعاة حقيقية .
العالم تغير، أو في طريق التغيير الجذري، وما كان في السابق مناطق رمادية في تدبير المواقف والاتجاهات والتحالفات، ينبغي ، اليوم، أن يخرج الى شمس الوضوح .
فلم يعد ممكنا تخيل « رجل هنا ورجل هناك «، في سباق دولي متوتر وسريع التحول، ينذر بكثير من المفاجآت .
هذا بالضبط ما فعلته إسبانيا، الجمعة الماضي، وما تفعله دول أخرى، اقتنعت أن الموقف الحاسم والخروج من منطقة الحياد السلبي، هما الطريق المستقيم إلى العالم الجديد والتموقع فيه .
ففي الموقف السياسي من الصحراء، لا تعرض إسبانيا، في الواقع ، جديدا حين اعتبرت مبادرة الحكم الذاتي، مبادرة ذات مصداقية وجدية وواقعية لحل النزاع في الأقاليم الجنوبية، وهو موقف عبر عنه المنتظم الدولي منذ 2007 ، وتأخرت مدريد في تبنيه .
لكن ما نعتبره لافتا للانتباه هو اعتراف إسبانيا، لأول مرة، بأهمية الصحراء بالنسبة إلى المغرب، وهو اعتراف يمكن قراءته من وجهة نظر التحليل الجيواستراتيجي، بمثابة اعتراف بسيادة كاملة للمغرب على جميع أراضيه من طنجة الى الكويرة ، وهو الموقف نفسه المعبر عنه من قبل أمريكا .
والواقع أن إسبانيا أدركت، متأخرة، أنه يستحيل بناء أي علاقة سوية مع الجارة الجنوبية، دون المرور من الطريق السيار للصحراء المغربية، وتفادي أساليب الالتفاف التي ظلت تستعملها مدريد في العقود الماضية، وكانت تستغل من قبل الأعداء،لإدامة عمر نزاع مفتعل .
ويمكن فهم هذه الخلاصة من التجاوب السريع للمغرب مع الرسالة التي توصل بها جلالة الملك من رئيس الحكومة الاسبانية، إذ دعت وزارة الخارجية الى التسريع بفتح جميع الأوراش، وتدارك الوقت الضائع، من أجل مصلحة دولتين وشعبين، تربطهما بشكل وثيق أواصر المحبة والاحترام والتاريخ والجغرافيا والصداقة المشتركة .
طبعا الزلزال الدبلوماسي الذي أحدثه الموقف الاسباني الذي طبخ على نار هادئة، أخرج حكام الجزائر عن طوعهم، ودخلوا في هستيريا دبلوماسية دفعت نظام « الكابرانات « الى استدعاء سفيرهم في مدريد للتشاور دون مراعاة القرارات السيادية للدول، ودون احترام حتى سمفونية الحياد الدبلوماسي التي ظلت ترددها أكثر من أربعة عقود، فلطالما اعتبر النظام الجزائري أنه طرف غير معني بتاتا بملف الصحراء المغربية، بل إنه يرفض في كل مرة المشاركة في جلسات التفاوض السياسي بحضور المغرب وجبهة الانفصال والجارة موريتانيا، لكن الموقف الاسباني أثبت لمن كان يتعلق بذرة من الشك أن الجزائر هي الطرف الوحيد في نزاع اختلقته ورعت أداته الانفصالية والارهابية ماليا وعسكريا للمس بوحدة أراضينا أما الباقي فتفاصيل غير مهمة .
لكن ما لم يستوعبه النظام الجزائري البائد، أن الخريطة الجيواستراتيجية تغيرت جذريا على المستوى العالمي، وأن العالم أصبح في حاجة الى لدول مدنية موثوقة ومستقرة وذات مصداقية ، وليس الى دول هشة تبني شرعيتها على اختلاق توترات اقليمية ودفع رشاو دولية للمس بسيادة جيرانها ، والخلاصة أن الجزائر فاتها القطار ومن صرف ماله على تقسيم الدول مات غما وحسرة بقرارات صادمة وهذا حال الجارة الشرقية، وطبعا لن تستطيع فعل أي شيء لتغيير ما يجري بكل بساطة لأنها دولة هامشية وهشة ، وحتى استدعاء سفيرها بمدريد أو ربما اختلاق أزمة مع اسبانيا، لا يعدو أن يكون فصلا آخر من فصول مسرحية كوميدية ، ويكفي أن نتذكر إهانة فرنسا للدولة والتاريخ الجزائري ، حيث استدعى الكابرانات سفيرهم بباريس، وبعدها بأسابيع أعادوه .
أما الحركات البهلوانية المبتذلة لجماعة بوليساريو، فنحن أكبر من الرد عليها في هذا المقام، لأن الحديث يكون، في العادة، مع الشيوخ، وليس مع المريدين التابعين .

الكاتب : صابرين المساوي - بتاريخ : 29/03/2022

التعليقات مغلقة.