منطق الألفية، الطموحات الذاتية ونصيب الوطن؟

الحسين بوخرطة

 

في صفوف النخبة المتأملة باستمرار في منطق ممارسة السلطة ببلادنا، العديد منهم، وحسب النقاشات التي أتيحت لي الفرصة المشاركة فيها، يرجح فرضية كون السياسة في وضعنا الحالي لا تمارس إلا في إطار فضاء بمنطق معلوم، تتسع وتضيق هوامشه حسب درجة فهم رهانات فرق الطبقات السائدة، بحيث يترتب عن ذلك وجود نوع من الرقابة على أقوال وأفعال السياسي، وبالتالي ضعف في إنتاج الأفكار كما وكيفا. كما تمت إثارة فكرة أخرى مفادها أن الكوابح الملجمة للنخبة، التي أعلن تأهيلها، بإشارات ورسائل عديدة، ليست الخوف بقدر ما هي المصلحة.
هذا الوضع يجعل الفاعل المعني، الذي بذل كل الجهد للبروز بأفكاره وثقافته، لا يسعى في نهاية المطاف إلا أن يطلق العنان لأفكاره حتى تتم ترقيته إلى درجة يستحق من خلالها لجاما مزخرفا وذا مصداقية. فالألجمة بكل أصنافها، والتي يتم صنعها حسب الوضعيات، تخضع للتطور كلما برزت حالة جديدة تحتاج إلى لجام من نوع غير معتاد. إنها وضعية فرضت تعدد أصناف القيادات السياسية الترابية والوطنية، وهمشت حاجة الوطن إلى الزعامات التاريخية، بحيث وجد الممارس القيادي نفسه منغمسا في أوضاع ملتبسة، تفرض عليه التركيز أكثر على هدف بلورة مشروع ذاتي، لا يمكن أن يضمن له الاستمرار إلا من خلال تطوير آليات الترصد المادية والبشرية المعتمدة على تقنيات بوسائل متطورة وقنوات متنوعة، آليات تضمن له الاستمرار في القيادة بشكل مباشر أو عبر التفويض، وبالتالي الحفاظ على مواقع التابعين له ولو على حساب البلاد وحقها في تسريع وتيرة عبور مراحل مسار الانتقال الديمقراطي.
لقد اعتبر البعض في هذا الشأن، أن الخاسر الأكبر في هذا المنطق هو الوطن. نعم، الممارسة السياسية، والمشاركة فيها، يجب أن تحقق الطموحات الذاتية المحفزة للنخبة، لكن هذه الطموحات لا يجب أن تتناقض في مجملها مع طموح الوطن (جزء للذات وجزء للوطن). الاعتزاز بالنفس بأدائها، وتحقيقها للتجديد والتفوق المقوي للاستقرار والأمن والتنمية ليس عيبا، لكن العيب كل العيب يتجلى في الحالة التي ينقض من خلالها على الأوضاع «غول» الارتباك والتسرع وخلط الأوراق، والسعي إلى خلق شروط ديمومة سيطرته. العيب يستفحل كذلك عندما نجد مصادر القرار في المنظمات المختلفة تروج وتكرس بكل الوسائل المتوفرة لديها الحاجة إلى صنع «الألجمة» لمن لا يعي خطورة استعمالها، لتمنح، عن قصد، لمن لا يجيد السياسة ولا يتوفر على أي فكرة نافعة، مصلحة لا يستحقها، مصلحة يمكن أن تكبر كلما عبر عن قدرته على فرملة وعرقلة وترسيخ وتلويث الفكرة النبيلة الجادة، والتمكن من الإطاحة بها، والقضاء عليها، وإبعاد صاحبها والمقتنعين بها، وإضعاف قدرتهم على تأسيس فضاء للعمل الوطني الجاد، إنها المعادلات المعتمدة بكثرة، والتي تجد صدى وقبولا عند العديد من الفاعلين، لفرملة مسار عجلة النخبة الوطنية الصادقة، والحيلولة دون وصولها إلى واجهة الأحداث السياسية، وإحداث التغيير المنشود.
باستحضار هذا المعطى، يبقى كل واحد منا مطالب بمساءلة نفسه بإلحاح: هل هو معني بهذا الكلام، وفي أي خانة يضع نفسه؟؟
المؤكد هو أن درجة استعمال العقل تضعف يوما بعد يوم، فبعدما كان، حسب العلماء، هذا الاستعمال يضاهي 50 بالمئة في الخمسينيات، أصبح اليوم يلامس 0,10 بالمئة، الدفاع عن العقل والتفكير، مسؤوليتنا جميعا أفرادا وجماعات، دولة ومجتمعا، المغرب الحديث، هو وطن السلاطين الوطنيين محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس والزعامات التاريخية الصادقة وعلى رأسهم الشهيدين بن بركة وعمر بن جلون، وعبد الله إبراهيم، وعلال الفاسي، وبوستة، وعبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمان اليوسفي، ومحمد بن سعيد أيت يدر، وعلي يعتة …
الأهم اليوم، بلا شك، هو حاجة مغرب الألفية الثالثة إلى قيادات قوية، بأطروحات سياسية جديدة، تخرج البلاد من حالة الغموض، قد نتفق كون وضع الوعي السياسي المجتمعي لا يرقى إلى المستوى المطلوب لتجسيد مفهوم الديمقراطية «كحكم الشعب بالشعب»، لكننا نملك المقومات الكافية بجعل الممارسة من خلالها مرادفا لـ «حكم الشعب لصالح الشعب».

الكاتب : الحسين بوخرطة - بتاريخ : 24/01/2019