ندفع ثمن انحيازنا لفلسطين
حمادة فراعنة
في 7 أذار 2007، وقبل انفجار أحداث الربيع العربي، والتدخل الأميركي لتغيير الأنظمة في تونس ومصر واليمن وتدمير ليبيا واغتيال القذافي، خاطب رأس الدولة الأردنية، الملك عبد الله الأميركيين، من موقع ومنبر الكونغرس حيث كان مدعواً لإلقاء كلمته أمامهم، في ذلك اليوم كنت أستمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منزله بعمان مع ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية آنذاك، كنا نستمع لذلك الخطاب ووصفاه على أنه من أهم الخطابات التي تتحدث عن فلسطين، فماذا قال جلالة الملك للأميركيين؟؟؟ :
« اليوم عليَّ أن أتكلم، فلا أستطيع الصمت… علي أن أتكلم عن قضية ملحة لشعبكم وشعبي…. الفلسطينيون والإسرائيليون ليسوا الضحايا الوحيدين…. فقد رأينا العنف وهو يدمر لبنان، والناس في أرجاء العالم كانوا ولا يزالون ضحايا للإرهاب والمتطرفين الذين يستغلون الظلم الذي يُسببه هذا النزاع لإضفاء الشرعية على أعمال العنف وتشجيعها… قد يقول البعض أن هناك تحديات مُلحة أخرى، ولكن كيف يمكن أن يكون هناك أي شيء أكثر إلحاحاً من تصحيح أوضاع العالم بحيث تحظى جميع الشعوب، لا بعضها، بالفرصة لتعيش بسلام ؟… لا نستطيع إنكار أن زماننا يواجه قضايا حاسمة، ولكن يجب أن لا يغيب عنا رؤية حقيقية أساسية مفادها أن مصدر الانقسام الإقليمي ومصدر الحقد والإحباط أبعد من ذلك، فأصل المشكلة هو إنكار العدالة والسلام في فلسطين.. إن البعض سيقول : إن هذه ليست القضية المحورية في الشرق الأوسط، وأنا هنا بينكم اليوم باعتباري صديقاً لكم لأقول إنها فعلاً القضية المحورية… إنني إلتقي بمسلمين يبعدون عنا الاف الأميال يحملون في قلوبهم تأثراً شخصياً عميقاً بمعاناة الشعب الفلسطيني، ويريدون أن يعرفوا كيف ظل الشعب الفلسطيني حتى الأن دون حقوق ودون دولة… ستون عاماً مرت على الحرمان الفلسطيني، وأربعون عاماً تحت الاحتلال، وعملية سلام تراوح مكانها، وهذا الأمر بمجمله ترك إرثاً مراً من خيبة الأمل، واليأس لدى جميع الأطراف… وقد حان الوقت لإيجاد إرث جديد مختلف… والسؤال هو كيف يمكن أن نصل إلى هناك ؟؟ والإجابة قطعاً ليس بحل يفرضه جانب واحد، فالسلام الدائم يُبنى فقط على التفاهم والاتفاق والتسويات… يجب التوصل إلى تسوية : 1 – لحل قضية اللاجئين، 2 – الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، 3 – قيام دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة وذات السيادة «.
ويخلص جلالة الملك في مخاطبته أعضاء الكونغرس ومن خلالهم إلى الشعب الأميركي بقوله :
« وأقول هنا: لا لمزيد من سفك الدماء، لا لمزيد من الموت بدون سبب!
الصبي الصغير الذي يذهب إلى المدرسة مع أخيه في فلسطين… دعه ينعم بالسلام.
والأم، التي ترقب بخوفٍ أولادها وهم يصعدون إلى الحافلة في إسرائيل… دعوها تنعم بالسلام.
والأب في لبنان، الذي يعمل بجدّ لتوفير التعليم لأطفاله… دعه ينعم بالسلام.
والفتاة الصغيرة، التي ولدت في العراق، وعيناها الواسعتان مليئتان بالدهشة… دعوها تنعم بالسلام.
والأسرة، التي تتناول معاً وجبة العشاء، في آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وأوروبا، وأستراليا، والشرق الأوسط… دعوها تنعم بالسلام.
فاليوم أيها الأصدقاء، علينا أن نتكلم، فلا نستطيع التزام الصمت «.
كلام الملك عبد الله، أغاظ اللوبي اليهودي، وأغاظ مظاهر النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة، وأغاظ حكام المستعمرة الإسرائيلية أمام الكونغرس الأميركي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن، لم يتوقفوا عن المس بالأردن.
خطاب الملك عبد الله الواضح الشجاع قدم الخدمة لمصالح الطرفين :
أولاً : للأردنيين لحماية المصالح الوطنية الأردنية، وحماية الأمن الوطني الأردني، من سياسة العدو الإسرائيلي الذي يعمل مرة أخرى لرمي القضية الفلسطينية إلى الحضن الأردني، كما سبق ونجح في رميها بعد سنة 1948 إلى الحضن اللبناني والسوري والأردني، حتى نجح وأعادها الرئيس الراحل ياسر عرفات من المنفى إلى وطنه الذي لا وطن له سواه، فيسعى الأن فريق المستعمرة الإسرائيلية الحاكم المكون من طرفين هما : 1 – اليمين السياسي الإسرائيلي المتطرف، و 2 – الاتجاه المتدين اليهودي المتشدد، يسعى إلى إعادة الملف الفلسطيني والتحرر من مسؤولياته ونتائجه وتداعياته ورميه نحو الأردن، بما يتعارض مع المصالح الوطنية والأمنية الأردنية، وتحميل الأردن الأعباء الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية لفلسطين، وجعلها مشكلة أردنية فلسطينية.
وثانياً : مساعدة الشعب الفلسطيني وإسناده، وتوفير رافعة له في مواجهة العدو الإسرائيلي وتعريته، اعتماداً على تماسك الموقف الأردني وثباته الذي تُوج بموقفه الشجاع في أن يكون رأس الحربة السياسية باتجاهين : الأول في مواجهة سياسة الرئيس ترامب وإجراءاته بعد قراره يوم 6/12/2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، والثاني في دعم الموقف الفلسطيني الرافض لسياسات الرئيس الأميركي وإدارته الصهيونية، ورفض استقبال مبعوثيه كوشنير وجرينبلات وفريدمان.
الأردن يدفع ثمن مواقفه الوطنية والقومية ومن يرى غير ذلك قصير النظر، وضيق الأفق.
h.faraneh@yahoo.com
الكاتب : حمادة فراعنة - بتاريخ : 20/02/2019