هل النسيان حارس للذاكرة الإستسلامية؟

ذ/ محسن الأكرمين

 

عند الحديث عن الذاكرة يكون من لازم القول ذكر توأمه السيامي النسيان. وعند اقتحام فواصل النسيان يتم الإحساس بأننا نضيع ذاكرة الماضي بالنفض. فإذا كانت الذاكرة تمثل رقاقة حافظة لكل ملفات حاضر أصبح حينا من الماضي القريب أو البعيد، فالنسيان هو فيروس التدمير لكل السجلات الهشة من الذاكرة والتي لم يتم تطعيمها بمضادات حيوية واقية.
اليوم سنقوم بالتعرض للنسيان ليس من عين المجهر العلمي كظاهرة مرضية، ولكن سنكشف عن بعض الخانات و العادات السالبة والقاتلة للذاكرة التاريخية المغربية سواء الفردية منها أو الجماعية.
التجاذب والتنافر بين الذاكرة والنسيان في جانب تحصين المعرفة التاريخية أو تفتيتها بالنسيان، يستوجب منا التفسير المفضي إلى الفهم من خلال سؤال، لماذا كتابة التاريخ كذاكرة تستحضر النسيان كفجوات مميتة لمجموعة من الأحداث؟. هو السؤال الذي يحمل لزوما استعمال مثلث العلاقة التواصلية بين التاريخ والذاكرة والنسيان . وهي الإجابة التي تدق علينا رنا لاستعمال أداة التأكيد ونقول، أن الذاكرة هي مجرد مقاطع نقط خط بدون نهاية تامة، هي نقط من تاريخ الماضي الذي ما انفك يمضي بأحداثه واختلالا ته و اكراهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. من تم يكون الحديث عن كتابة التاريخ هو فتح حرب ضروس ضد النسيان و إنقاذ للذاكرة من مطبات التناسي والتشتيت. فحين نحصل على معادلة الساعة الرملية المقلوبة يصبح النسيان الأسفل أكثر امتلاء من مورد ضبط الذاكرة العليا، هي ذي المشكلة الكبير التي تضيع حقيقة مصداقية تاريخ الوطن والشعب.
لكن للنسيان بيننا قصة سن الصغر، حين كان الخطاب يوجه إلينا «تكبر وتنسى» عند كل زلة مدوية، أو سقوط حياتي. وهي اللازمة التي أصبحت لدينا بمثابة القاعدة المعممة، ونستنجد ب « تكبر وتنسى» لقضاء كل مآرب قتل الذاكرة الجماعية وتخفيف وزنها بالنسيان. فعند كل قلق اجتماعي تحضر الضجة المدوية والمسيرات لكن آلة النسيان تتحرك لإخماد الزوبعة برفق «إنه شعب النسيان السريع» ، حين يعم النسيان والتناسي بيسر تسير الحياة قدما ملقية بالتاريخ خلفا. هنا نستوثق التأكيد في عدم اعتبار النسيان وظيفة إيجابية، لا لأنه يدمر استحضار أحداث الماضي الحقيقي ، ولكن كذلك لأنه يحول دون الكشف عن الأسباب والمسببات النائمة لكل الإشكالات القائمة بالتردد.
التاريخ المسكوت عنه وغير المكتوب يتسرب إليه النسيان بسرعة طريق السيار. تاريخ الفقراء تأكله أرضة النسيان وتلتهم حواشيه، فيما التاريخ المكتوب تاريخ الملوك و أهل الحل والعقد فهو ما تحفظه الذاكرة بعد سجن النسيان ونفيه أيام ممحاة رأس قلم الرصاص.
وحين حدثت صديقي المشاكس أكد لي أن بلسم النسيان يحمي الفقراء من الشيب المبكر، أن النسيان هو الكفيل الراعي لحب العيش بأمل السراب ، برهن على أن النسيان يجعل من القهر والحكرة والظلم يتسرب في رمال النسيان دون تبخر سحب غيمة مدوية بالرعد والبرق الناري في المجتمع.
هنا نقر بالإكراه أن النسيان ظاهرة طبيعية، حينها نحسس بأننا أزلنا عن رقابنا سنة حفظ الذاكرة وتركناها تتعرى على النسيان بالغواية و تحريف مجريات التاريخ، من تم هل ممكن أن نقول بأننا ننسى بالقصد التاريخ المشوه بيننا؟ هناك احتمال كبير في استعمال ممحاة النسيان و الاستعانة ب « البلانكو» لقتل كل فجوات الحياة الاجتماعية غير المشبعة بالذاكرة الجمعية الشعبية. نحن شعب يحب النسيان وبه تتعثر مدارسنا العمومية، نحن شعب نرتب ذاكرتنا بموارد التكرار، نحن شعب «نكبر وننسى» …

الكاتب : ذ/ محسن الأكرمين - بتاريخ : 20/03/2018