هل تتجه الحكومة إلى حصر الدعم العمومي للصحافة في الشركات التجارية؟

  أحمد شمين(*)

 

 

الجميع يعلم أن قطاع الصحافة يعرف صعوبات كبيرة، حيث يصارع جسم الصحافة من أجل البقاء في غياب الدعم العمومي، وعدم وضوح معايير توزيعه منذ جائحة كورونا، إضافة الى عدم استقرار وضعية المجلس الأعلى للصحافة الذي انتهى بإحداث لجنة مؤقتة تفتقر إلى وضوح الرؤية وآلية العمل .
وبما أنه لا خلاف حول مهمة وقدسية الصحافة ودورها الفاعل والمؤثر في كل مسار ديمقراطي يرغب في إثبات ذاته، فإن موضوع الدعم هذا يحتاج إلى التذكير واستحضار النصوص القانونية والمراسيم التنظيمية الصادرة في الموضوع، لنقف على حقيقة إشكالية الصحافة .
ومن الطبيعي أن ترسانتنا القانونية في هذا المجال لا تشذ عن هذه القاعدة، إذ تنص كافة النصوص القانونية، وعلى رأسها دستور المملكة، على ضمان التعددية بمختلف أبعادها (تعددية الرأي والفكر والمشارب)، باعتبارها ركيزة أساسية لأي ديمقراطية حقيقية.
فدستور المملكة لسنة 2011، ينص في الفصلين السادس والسابع على التزام السلطات العمومية بتوفير الظروف الكفيلة بضمان الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، وتمكينهم من المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
كما أكد أيضا على تكليف الأحزاب السياسية بتأطير المواطنين والمواطنات وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية.
وهكذا فإن الدستور ينص على ضرورة تعبير الأحزاب السياسية عن آرائها وعن إرادة الناخبين في إطار التعددية بالوسائل الديمقراطية ومن بينها الصحافـة الحزبية التي تعتبر مؤسسة دستورية .
وهكذا فإن كل إقصاء أو تهميش للصحافة الحزبية أو وضع عراقيـل للحيلولة دون قيامها بواجبها الدستوري يشكل إضعافا وضربا للخيار الديمقراطـي الذي اختاره جلالة الملك لهذا البلد .
وعلى مستوى قانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر نجد أنه ينص على التزام الدولة بضمان حرية الصحافة وترسيخ الديمقراطية وتعددية الإعــلام وتعمل على الالتزام بها، وتعزيزالتعددية ودعم مواردها البشرية .
كما عرف الفصل الثامن منه المؤسسة الصحفية في مدلوله ( كل شخـص ذاتي أو اعتباري يمارس كل أو بعض الأنشطة الواردة في المادة 2) ، أي أن قانون الصحافة لم يلغ الصحافي الذاتي أو الحزبي الاعتباري الذي لا يشتغل في إطار شركة تجارية .
وهكذا فإن قانون الصحافة ينص على المبدأ الدستوري المشـار إليه والمتعلق بالتعددية الفكرية والسياسية .
غير أن المرسوم الصادر في 22 دجنبر 2023، والمتعلق بتحديد شروط وكيفية الاستفادة من الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، يحصر المستفيدين والمعنيين من الدعم العمومي في المؤسسة الصحافية أو شركـة الطباعة أو شركة التوزيع، وفسر المؤسسة الصحفية بلفظ الشركة، بمعنى أن الدعم العمومي حسب هذا المرسوم موجه فقط للشركات التجارية دون غيرها، بمعـنى أن الأشخاص الذاتيين والاعتباريين أو كل من يمارس العمل الصحفي خارج الشركـات التجارية، مقصي وغير مذكور أصلا وغير منصوص عليه أو مذكور بالمرة في المرسوم الخاص بتوزيع الدعم العمومي المشار اليه أعلاه.
وقد كرّس هذا التوجه بلاغ وزارة الشباب والثقافة وقطاع التواصل، المرفق بقرار وزير الشباب الصادر بتاريخ 19 دجنبر 2024، والمتعلق بتحديد الوثائق المكونة لملف طلب الدعم العمومي المخصص لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع.
إذ إن قرار الوزير اقتصر فقط على الشركات التجارية العاملة في قطاع الصحافة، دون أن يشمل باقي الفاعلين، من صحفيين ذاتيين أو اعتباريين، كالأحزاب السياسية غير الممارسة لمهنة الصحافة، وهو ما يُقصي تعددية الرأي خارج إطار الشركات التجارية.»
وهكذا، يتضح أن الحكومة، من خلال وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قد أقصت الجسم الصحفي ككل من الاستفادة من الدعم، ولم تضع أية شروط أو مسطرة واضحة المعالم تضمن صدور العناوين الصحفية الحزبية والذاتية، أو تلك التي تساهم في دعم الجسم الصحفي غير التجاري، الذي لا يهدف إلى الربح، بل يسعى إلى التعبير عن الآراء والآراء المضادة، ونشر التوعية والفكر، إرساءً لحرية التعبير التي تُعد أساسًا لكل ديمقراطية. وقد تم ذلك عبر إغفال وعدم التنصيص في قرار الوزير على مسطرة توزيع وكيفية دعم الصحافة التي لا تشتغل في إطار الشركات، وهي كثيرة وتشكل السواد الأعظم من الجسم الصحفي.
فإذا استحضرنا أننا مقبلون على انتخابات تشريعية قريبـة، ألا يعني إقصاء وحرمان الجرائد الحزبية التي تشكل التعددية من الدعم العمومي منذ سنـة 2020، منعها وتحجيم دورها في الحياة السياسية والحيلولة دون اضطلاعها بدورها الدستوري المتمثل في تعددية الفكر والرأي لفائـدة ولحساب أحـــزاب الأغلبية التي هيـأت نفسهـــا لاحتـلال المشهد الإعلامي الصحـــفي الوطني على حساب باقي الأحزاب السياسية .
وهكذا، يمكن لكل مهتم محايد أو مراقب للمشهد الإعلامي والصحفي أن يجزم بأن إقصاء التعددية من هذا المشهد وحرمانها من حقها في الوجود يعد ضربا للديمقراطية من جهة، وإخلالا بأحد أعمدتها الأساسية، وهي التعددية، من جهة أخرى، كما أنه يهدد أحد أركان دستور 2011 الذي تأسس على الخيار الديمقراطي.
(*)صحفي مهني وباحث في العلوم السياسية

الكاتب :   أحمد شمين(*) - بتاريخ : 24/06/2025