هل تخرج فرنسا من المستنقع الإفريقي؟

باريس- يوسف لهلالي

هل تنجح فرنسا في بلورة سياسة إفريقية جديدة والخروج من المستنقع الذي دخلت فيه من خلال تأزيم علاقتها مع العديد من البلدان الإفريقية؟ وهل تتمكن من بناء شراكة متوازنة مع بلدان المغرب وإفريقيا جنوب الساحل؟ وهي بلدان لها روابط قديمة معها بحكم الاستعمار أو الحماية اللذين مارستهما في الحقبة الاستعمارية.
هذا الوضع التاريخي، جعل نفوذ فرنسا يستمر في هذه البلدان لعقود بعد سنوات الاستقلال بل إن بعضها تحول إلى حديقتها الخلفية حيث كانت تحتكر كل شيء، من الاقتصاد إلى الأمن في بعض هذه البلدان، التي طالبت العديد منها، اليوم، باريس بإعادة النظر في سياستها وبناء شراكات جديدة، وبعضها طالب بسحب القوات والقواعد الفرنسية التي كانت متمركزة بها مثل مالي وبوركينافاسو.
ويبدو أن سياسة جديدة مع هذه البلدان لم تتحقق، حتى الآن، رغم أن الرغبة في التحول والتجديد في هذه العلاقات تتصدر الخطاب السياسي بباريس، فمنذ عشرين سنة هناك خطاب يتحدث عن ضرورة التحديث لكن بدون بلورته في الواقع. هناك وعي بفرنسا أن إفريقيا تحولت ولا بد من خطاب جديد وشراكات على أسس جديدة، ففي السنوات الأخيرة حاولت قطع صلاتها بسياستها القديمة بالقارة وممارساتها المبهمة وشبكات نفوذها الموروثة عن الاستعمار، لكن دون أن تنجح في ذلك. هذا التحول في خطابها السياسي بدأ منذ وصول الرئيس الفرنسي إلى السلطة سنة 2017 وخطاب وغادوغو ببوركينا فاسو، وهو خطاب أكد فيه عزمه على طي صفحة سياسة باريس الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمار التي شهدت تواطؤا سياسيا وعلاقات متوترة ومد اليد للشباب الإفريقي الذي يعتمد موقفا مشككا جدا حيالها، لكن عدة سنوات بعد ذلك لم يتغير شيء، وبقي الفعل السياسي مجرد خطاب.
إيمانويل ماكرون قدم نفسه على أنه قائد جيل جديد منددا أمام 800 طالب ب»الجرائم الأكيدة» للاستعمار داعيا إلى «علاقة جديدة» مع إفريقيا، وهو «ميثاق ينوي توسيعه ليشمل أوروبا».
خلال الكلمة التي ألقاها من قصر الإليزيه الاثنين الماضي عشية جولة إفريقية، والذي تحدث فيه عن علاقة بلاده بالمغرب قائلا بهذا الخصوص إنه «يريد المضي في تعزيز علاقة فرنسا بالمغرب، بعيدا من «الجدل» الراهن. هناك دائما أشخاص يحاولون أن يستغلوا الظروف، مثل فضائح التنصت في البرلمان الأوروبي التي كشفتها الصحافة». وكان نقد الرئيس الفرنسي شديدا حول الدور الذي لعبته بعض الصحف في تأجيج الأزمة، خلال هذا الخطاب نجد نفس نبرة خطاب واغادوغو «يجب أن نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة» مع دول القارة الإفريقية»، لكن السؤال المطروح: هل فرنسا أدركت التحول في إفريقيا وضرورة تجديد علاقاتها، أم أن الأمر سوف يتكرر، حيث أن نفس الخطاب كان قبل 6 سنوات لكن لم تحدث تغييرات في الميدان.
لقد تغير الوضع بإفريقيا ولا يمكن لفرنسا أن تستمر بنفس السياسة، سواء على المستوى العسكري أو الأمني، وهو ما تعكسه العلاقات المتوترة مع عدد من بلدان الساحل التي طالبت بانسحاب الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى دخول منافسين في المجال الأمني خاصة روسيا، فموسكو متهمة اليوم من طرف الفرنسيين بالتحريض على مشاعر معادية لفرنسا، وهو ما يردده الإعلام والسياسيون بباريس في حين أن أغلب المتتبعين بإفريقيا يعتبرون أن روسيا هي فقط تستغل وضعية الاستياء من فرنسا وسياستها بالمنطقة» الذي تشهده العديد من البلدان الإفريقية خاصة في السنوات الأخيرة مع بروز شركاء جدد بالقارة خاصة الصين وتركيا والمغرب.
على الصعيد العسكري، قال ماكرون إن «التحول سيبدأ في الأشهر المقبلة عبر خفض ملموس لعدد القوات وحضور أكبر في القواعد العسكرية الفرنسية بالمنطقة لشركائنا الأفارقة»، واعدا بأن «تبذل فرنسا مزيدا من الجهد على صعيد التدريب والتجهيز»، من أجل مساعدة الجيوش المحلية.
وتنشر فرنسا نحو ثلاثة آلاف عسكري في المنطقة خصوصا في النيجر وتشاد بينما كان عددهم 5500 عنصر قبل فترة قصيرة، لكنها تريد إعادة نشر قواتها العسكرية متوجهة نحو دول خليج غينيا التي عمتها موجة جهادية في السنوات الأخيرة.
النفوذ الفرنسي ومعه نفوذ الدول الغربية يواجه، اليوم، بإفريقيا منافسة كبيرة من الصين وروسيا، فثلاث من الدول الأربع التي سيزورها الرئيس الفرنسي أي الغابون والكونغو وانغولا امتنعت، الخميس الماضي، عن التصويت على مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، وفي هذا الصدد قال ماكرون إن إفريقيا ليست «منطقة نفوذ» ويجب أن ننتقل من «منطق» المساعدة إلى منطق الاستثمار، وبناء الشراكات وذلك ما تقوم به البلدان المنافسة مثل الصين.
خلال ذات الكلمة التي ألقاها في قصر الإليزيه قبل جولته الإفريقية أكد ماكرون على «بناء علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع دول القارة الإفريقية»، ويأتي خطابه بعد نهاية عملية برخان لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل واضطرار القوات الفرنسية إلى الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو، اللتين يحكمهما مجلسان عسكريان مع عداء واضح لفرنسا.
الجميع ينتظر الظروف التي سوف تتم بها هذه الجولة، وكذا النتائج التي تسفر عنها، ومدى قدرة فرنسا على بلورة سياسة وشراكات جديدة مع البلدان الإفريقية، وتحقيق تحول حقيقي بدل الخطابات التي اكتفت بها حتى الآن، وأمامها مجهود طويل وصعب لإعادة بناء صورتها بالمنطقة التي تضررت في السنوات الأخيرة.

الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 07/03/2023

التعليقات مغلقة.