هل ما زال للأوروبيين دور في المواجهة التي تجري في الشرق الأوسط؟

باريس: يوسف لهلالي

دونالد ترامب يعلن نهاية المواجهة بين طهران وتل أبيب، وفي اليوم نفسه يُبدي غضبه لعدم التزام الطرفين بوقف سريع لإطلاق النار. هكذا يرى ساكن البيت الأبيض العالم: هو من يقرّر الحرب والسلم، وعلى باقي العالم التنفيذ والانصياع. طبعًا، لا طهران ولا تل أبيب ترغبان في إغضاب ترامب، فكل طرف يعلم أنه سيدفع الثمن. أما باقي العالم، فيجد نفسه في موقع المتفرج.
أوروبا، التي كانت صاحبة العديد من المبادرات في الملف النووي الإيراني وبالشرق الأوسط عامة، يتم تهميشها بطريقة مُهينة، إذ لا يرغب الرئيس الأمريكي في أن تقوم بأي مبادرة في هذا الملف. وهذا ما يعني تهميشًا تامًا أيضًا لدور مؤسسات الأمم المتحدة، التي تحوّلت إلى مجرّد هيئة تُصدر بيانات تنديد، وتلتئم أحيانًا لتذكّر بمبادئ نظام عالمي انتهى.
حلفاء واشنطن، خصوصًا الغربيين منهم، تم إبعادهم نهائيًا عن أي دور إلى جانب الولايات المتحدة. والمثير للقلق لدى الأوروبيين هو تساؤلهم: ماذا يريد الرئيس الأمريكي؟ ففي خطابه السياسي، لا يدافع عن «العالم الحر»، ولا يُبرز القيم الديمقراطية أو الرؤية الأخلاقية للتدخل الخارجي، كما كانت تتوقع منه العواصم الغربية، باعتبارها المبادئ التي جمعتهم منذ انتصارهم في الحرب العالمية الثانية. اليوم، يتحدث الرئيس الأمريكي عمن يملك القوة، ومن يمتلك أقوى جيش، فهو من يملك الكلمة. أما القانون الدولي والشرعية الدولية، فقد تمّ وضعهما على الرفوف.
الروس، الذين شنوا حربًا على أوكرانيا منذ فبراير 2022، سعداء بهذه الإدارة الأمريكية التي تتبنى نفس رؤيتهم للعالم: القوي هو من يقرّر، بعيدًا عن القانون الدولي. بعد الهجوم الأمريكي على المراكز النووية الإيرانية، استغلت موسكو الفرصة لتُبرز تناقض الغرب وأمريكا، وسياسة الكيل بمكيالين، وكيف اخترقت واشنطن القانون الدولي. وقد أعلنت الخارجية الروسية في بيان لها أن «القرار غير المسؤول بتنفيذ ضربات صاروخية وجوية على أراضي دولة ذات سيادة، بغض النظر عن المبررات المقدمة، يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
كما عرضت روسيا لعب دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة في الشرق الأوسط، وأبرز الإعلام الروسي العلاقة الجيدة التي تجمع الرئيس فلاديمير بوتين بقادة طهران وتل أبيب. لكن طهران لم تحظَ بأي امتياز من موسكو، رغم المساعدات السخية التي قدمتها في الحرب على أوكرانيا من خلال الطائرات المسيّرة والصواريخ، التي ساهمت في التقدم الطفيف لموسكو.
وإذا كان هذا الصراع قد عزّز موقف موسكو، فإنه أضعف أوروبا أكثر، التي لم تعد تعرف على أي قدم تقف. فالإدارة الأمريكية تهمّشها، وفي الوقت نفسه تُرغمها على الخضوع لاختيارات دونالد ترامب غير المتوقعة. الغارات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، ليلة السبت 21 إلى الأحد 22 يونيو، وضعت القادة الأوروبيين في موقف يصعب قبوله. لم يُدِن أيٌّ منهم قرار الرئيس الأمريكي بالانضمام إلى الضربات الإسرائيلية، لكن هذا القرار يناقض، بل ويُبرز الطابع الوهمي، لمبادراتهم الدبلوماسية بجنيف التي حاولوا من خلالها تجنب مثل هذا التطور. ولم تُخبر واشنطن حتى أقرب حلفائها بهذا الهجوم.
بعد الضربات الأمريكية، ساد الخوف في أوروبا من تصعيد أخطر في الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى تصاعد خطر الإرهاب، وزيادة موجات الهجرة واللجوء نحو القارة العجوز. واكتفى أبرز قادة أوروبا ببيان مشترك ضم إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ناشدوا فيه إيران بشدة: «ألا تقوم بأي خطوات إضافية قد تُزعزع استقرار المنطقة». وأضافوا: «سنواصل جهودنا الدبلوماسية المشتركة لنزع فتيل التوترات وضمان عدم تصاعد النزاع أو امتداده أكثر». وهكذا اكتفى الأوروبيون بأضعف الإيمان أمام وضع يتجاوزهم.
بطبيعة الحال، كانت أوروبا قد نجحت في الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2015، بالتعاون مع إدارة باراك أوباما، لكن إدارة دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق سنة 2018، وعرقلته بالكامل، وفرضت وجهة نظر تل أبيب في الموضوع.
اليوم، ينفرد الرئيس الأمريكي بإدارة الملف، ويجري مفاوضات مباشرة مع طهران في سلطنة عُمان، بعيدًا عن الأوروبيين، وهي مفاوضات توقفت بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران. بل هناك من اعتبر أن هذه المفاوضات، والتصريحات الأمريكية بشأنها، سهّلت الضربة الإسرائيلية.
أما اليوم، فقد تم إبعاد الأوروبيين بشكل مُهين من المفاوضات مع طهران، ولم يعد لهم أي دور يُذكر. كما أن الأوروبيين منقسمون حول فرض عقوبات على إسرائيل، التي تنتهك القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتهمها المنظمات الدولية والحقوقية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
لكن أوروبا تكتفي بالمشاهدة، وهو ما يجعلها تفقد مصداقيتها، ويُضعف خطابها بخصوص الحرب الروسية–الأوكرانية، كما أن تذكيرها بالقانون الدولي لم يعد ذا معنى، فهي لم تدن الهجوم الأمريكي على إيران، وهو ما يجعل أوروبا خارج الركب لا هي تدافع عن الشرعية الدولية ولا هي تعبر صراحة عن تقاسمها للموقف الأمريكي الجديد.

 

 

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 27/06/2025