هل يخرج فرنسوا بايرو فرنسا من الأزمة السياسية التي تشلها منذ ستة أشهر؟

باريس: يوسف لهلالي

هل يخرج فرنسوا بايرو فرنسا من الأزمة السياسية التي تشلها منذ الصيف الماضي عندما تم حل البرلمان؟ هذا هو السؤال الذي يتردد منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي لم تفرز أية أغلبية ولو حتى نسبية لأية عائلة سياسية أو تكتل سياسي، مما يجعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عاجزا عن إيجاد حل سياسي فعال يخرج البلاد من الأزمة السياسية التي غاصت فيها، خاصة أن الدستور الفرنسي لا يسمح له بحل البرلمان مرة جديدة إلا بعد مرور سنة كاملة، الأمر الذي يجبر الوزير الأول على إيجاد مخرج لهذه الأزمة بأي ثمن، لتجاوز حالة عدم الاستقرار السياسي التي لم تعرف باريس مثلها منذ عدة عقود .
رئيس الحكومة فرنسوا بايرو، في أول تصريح له حول المسؤولية التي تنتظره، قال إن المشاكل التي تنتظره هي بحجم قمة الهمالايا، وهي أعلى قمة بالعالم، هكذا يتصور المسؤول الفرنسي حجم التعقيدات التي تنتظره. هذا بالإضافة إلى شروط كل كتلة من الكتل الثلاث الأساسية المشكلة للبرلمان من أجل ضمان عدم الإطاحة بالحكومة وتقديم ملتمس رقابة ضدها.
ومن أجل إيجاد مخرج من هذه الأزمة، قدم رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو، بعد مشاورات دامت أكثر من أسبوع مع القوى السياسية داخل الجمعية الوطنية لتشكيل حكومة أعلن عن أعضائها قصر الاليزيه، مساء يوم الاثنين، من أجل تمرير موازنة عام 2025،
الحكومة الجديدة التي لا تختلف في تشكيلتها والتيارات المكونة لها عن حكومة ميشيل بارنييه، ولم يتمكن زعيمها من إقناع أحزاب اليسار بالدخول إلى هذا الفريق الجديد خاصة الحزب الاشتراكي، رغم أن الحكومة تضم أعضاء كانوا ينتمون في السابق إلى هذا الحزب، سواء الوزير الأول السابق لفرنسوا هولند إيمانويل فالس، أو عمدة ديجون فرنسوا ريبسمان، وهي شخصيات لم تعد لها علاقة بالحزب الاشتراكي. وعدم دخول اليسار يجعل سيناريو حجب الثقة والتحالف بين الجبهة الشعبية لليسار واليمين المتطرف لتحقيق ذلك جد وارد.
وخلف بايرو الوسطي حليف إيمانويل ماكرون ميشال بارنييه الذي أطيح به بعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه في تصويت تاريخي لحجب الثقة من نواب اليسار واليمين المتطرف.
في هذه الظروف يطل ظل أزمة اقتصادية ومالية بفرنسا بسبب أزمة الديون وقيام وكالة «موديس» بخفض تصنيف فرنسا بالإضافة إلى كارثة إنسانية كبيرة بجزيرة الموت، في ظل هذه الظروف التي رافقت تعيينه والجدل حول عدم زيارته الجزيرة المنكوبة وتفضيله حضور أشغال المجلس البلدي الذي يترأسه بمدينة بو، يريد فرنسوا بايرو تجاوز الجدل وتجاوز الأزمة وتجنب سقوط الحكومة بأسرع وقت، وهو الأمر الذي سيتضح في 14 من يناير المقبل أثناء عرض الموازنة أمام البرلمان.
فرنسوا بايرو يعول على نواب اليسار وخاصة الحزب الاشتراكي الذي يمتنع حتى الآن عن المشاركة، ووعد بعدم إسقاط الحكومة إذا لم تلجأ إلى بند 49.3 الذي يجيز تشريع القوانين دون تصويت البرلمان، ويبدو أن الحكومة الجديدة سوف تنهج نهجا غير حكومة بارنييه بالاعتماد على فريق له تجربة كبيرة في الحياة السياسية ويضم وزراء أولين سابقين من أجل الاستمرار.
الجميع يتساءل كيف سيتمكن بايرو من إنقاذ فرنسا من الغرق في أزمة سياسية غير مسبوقة، منذ أن دعا ماكرون إلى انتخابات تشريعية مبكرة في الصيف الماضي أفضت إلى برلمان منقسم بين ثلاث كتل متخاصمة (التحالف اليساري والمعسكر الرئاسي واليمين المتطرف)، لا تملك أي منها أغلبية مطلقة، في هذه الظروف يسعى بايرو إلى إنقاذ بلده دون قدرته على تقديم تنازلات واضحة لأي كتلة من أجل ضمان دعمها السياسي والإفلات من حجب الثقة، وهو الأمر الذي لن تتردد الكتل السياسية القيام به في أسرع وقت، خاصة أن شعبية فرنسوا بايرو جد متدنية، حسب آخر الاستطلاعات التي تم إنجازها. (أعرب 66% من أشخاص استطلعت آراءهم «ايفوب-لو جورنال دو ديمانش» ، الأسبوع الماضي، عن استيائهم منه)، فهل ينقذ فرنسوا بايرو فرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون من أزمة سياسية مفتوحة، خاصة أن حزبي فرنسا الأبية والتجمع الوطني يقتربان من هدفهما في حالة سقوط الحكومة مرة أخرى، وهي دفع الرئيس الفرنسي إلى الاستقالة والدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها؟

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 25/12/2024