هل يصمد الدب الروسي أمام قبضة العقوبات الغربية؟

بقلم: عبدالرحمان رفيق

نحن نعلم أن روسيا وضعت انعكاسات الحرب في اعتبارها، سواء اقتصادية أو لوجيستية، وروسيا الآن ليست في مقاطعة دولية كاملة، فلها العديد من العلاقات مع الدول التي تتعامل معها، وليس من السهولة على روسيا ذات التاريخ الطويل في الحروب العسكرية والاستخباراتية، أن تسقط بكل سهولة وتخسر مابنته، منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، من مكانة وهيبة دولية وتطور اقتصادي وتكنولوجي، فهي تملك مراكز أبحاث تمكنها من معرفة ما يحاول الوصول إليه الغرب من إنهاك لها وتحجيم.
وبما أن المواجهات العسكرية لم تنتهِ وهناك قوات أوكرانية لاتزال تقاوم، بجانب عقوبات اقتصادية أطلقتها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا، فهذا يعني أن الجزء الثاني من هذه المعركة على الأبواب، وهي العقوبات الاقتصادية وبالتالي نطرح تساؤلا بشأن ما إذا كانت روسيا ستتأثر من العقوبات الاقتصادية .
أعتقد أن الاقتصاد الروسي لن يتأثر بأي عقوبات، روسيا تنتج أكثر من 10 ملايين برميل بترول يوميا وبسبب الحرب، ارتفع سعر البرميل من 60 دولارا إلى حوالي 100 دولار للبرميل. يعنى مكسبا يوميا يعادل مليار دولار، ولن تستطيع أوروبا الاستغناء عن البترول الروسي، إلا بصعوبة. أما الغاز الروسي، فمن المستحيل استغناء أوروبا عنه، وتنتج روسيا حوالي 60 مليار قدم مكعب يوميا، 10 أضعاف إنتاج مصر، ولأن هناك استحالة في الاستغناء عن الغاز الروسي، فقد رفضت ألمانيا مقاطعة خط الغاز المباشر بين روسيا وألمانيا (نورد ستريم 2).إذا توقف الغاز الروسي، سيحدث ارتفاع شديد في أسعار الغاز، مما سيشكل صعوبة في تحمل النفاقات المالية.
لكن، إذا لم تتأثر روسيا من العقوبات الاقتصادية، فما هي الإجراءات الجديدة، التي ستفرضها أمريكا على روسيا؟  ربما ستذهب أمريكا نحو تصعيد في العقوبات، منها عزل روسيا وحشد العالم أجمع لإدانتها؛ وهو ما تبين لنا من خلال الحملة الدعائية الإعلامية على المستوى الدولي، والتي تدين روسيا وتظهرها بأبشع صورة كدولة معتدية ومنتهكة للقوانين وإظهار جوانب التدمير في أوكرانيا، خاصة حالة ترويع المدنيين والمشاهد التي نراها عبر وسائل الإعلام المختلفة، كل هذا سيشكل تمهيدا لمحاولة تطويق الدب الروسي، وإيقاعه في فخ الحرب تمهيدا لاصطياده، إما بتكسير عظامه اقتصاديا وسياسيا، أو ربما تحجيم قوته العسكرية عن طريق عزله دوليا، ليجد نفسه بلا حليف حقيقي يواجه معه الغرب والولايات المتحدة، وهو ما رأيناه عندما عولت روسيا على الدعم الصيني، حيث وجدنا موقف الصين في مجلس الأمن يدل على الحذر والحيطة والاعتدال والتوازن في سياساتها الخارجية، مما يدل على أنها – بشكل كبير – لن تنجرف لمنحدر حرب، أو حتى مواجهات لدعم روسيا في هذه الأزمة.
هذا الموقف، خاصة حملة الدعاية التي تنشر صور وفيديوهات ضحايا الهجوم الروسي، تذكرنا بحملة الدعاية التي أعقبت غزو العراق 2003،وإن اختلف الوضع من حيث فارق القوة بين العراق وروسيا، ولكن يبدو أن أمريكا ليست الخاسر الأكبر في هذه العملية،إن لم تكن على العكس هي الرابح الأكبر، ففي حالة فرض مزيدا من العقوبات وعزل روسيا، سيكون الاتجاه لاستيراد القمح والنفط من أمريكا، بمعنى أن البديل الاقتصادي لسنوات في الوقود سيكون هو الغاز الصخري الأمريكي غالي الثمن وستتقبله أوروبا، مما يعني استفادتها ولو بشكل نسبي من هذه الحرب.
هناك أيضا، مكسب سياسي لأمريكا، وهو أنها بهذا الموقف الروسي أثبتت للغرب من جديد أنها هي الحصن المنيع لهم من خطر الروس، مما يزيد من احتياجهم لها، بالتالي تستمر الهيمنة الأمريكية عليهم، بعد أن كان الغرب يطالب بعودة التعددية القطبية.
خلاصة القول، إن المستقبل إما هيمنة أمريكية، أو أن روسيا ستتدارك نفسها بخضوع وقبول ما تسطره أمريكا بحرب العقوبات، التي تهيمن عليها أمريكا ومنطقة قوتها، أو جذب الصراع لحرب ضخمة والإصرار على استمرار مبدأ الهيمنة العسكرية.

الكاتب : بقلم: عبدالرحمان رفيق - بتاريخ : 10/03/2022

التعليقات مغلقة.