وضع بئيس

عائشة زكري

يؤلمني منظر النساء المنقبات في الشارع (خاصة صاحبات النقاب الشرقي أو البورقا) لدرجة أنني أصبحت أتحاشى الذهاب إلى كثير من الأحياء التي يتواجدن فيها ,لكن المشكلة هي أن عددهن أصبح يتزايد يوما بعد يوم لدرجة لا يكاد يخلو أي حي داخل المدينة من وجودهن .
ولقد ناقشت هذه الظاهرة مع كثير من الأصدقاء ,ولامني البعض منهم على عدم اعتباري إياها تدخل في إطار الحرية الشخصية خاصة وأنني أومن بحقوق الإنسان وأناضل من أجل إحقاقها داخل البلاد.
لا أخفيكم سرا إذا قلت لكم إن مثل هذه الإجابات تؤلمني أكثر من الظاهرةنفسها ,فأنا شخصيا حينما أتخذ موقفا من ظاهرة ما موجودة داخل المجتمع فذلك لأسباب تتعلق بدواعي ظهورها وبتجلياتها ونتائجها وانعكاساتها السلبية في الواقع وليس إزاء الظاهرة في حد ذاتها ,لذلك فمن وجهة نظري إن المرأة حينما ترتدي لباسا يخفيها كلية من قمة رأسها إلى أخمس قدميها بحيث لا يستطيع الناظر رؤية سوى رموش عينيها , فإنها بذلك تلخص وجودها في الجسد فقط فتلغي أدميتها كإنسان ,لكن المشكل أنها حينما تقوم بهذا التلخيص الجسدي لوجودها تربطه بالآخر أي بالرجل فتقضي على أية استقلالية لوجودها .
إن جسد المرأة حسب هذا التصور منبع لإثارة شهوة الرجل فقط ,ولذلك (في نظرها)يجب أن تخفيه كلية ,وإن كشفت عن جزء منه مثل الوجه و اليدين فإنها ترتكب الذنب والمعصية .إن مثل هذه النظرة إلى المرأة سواء من طرف ذاتها لذاتها ,أو من طرف غيرها لها لتعبر عن تخلف وتزمت وتقهقر في القيم وعدم مسايرة الركب الحضاري المتطور للإنسانية ,و الذي يسير في إطار الحداثة والتحديث بما تتضمنه من قيم المساواة والحرية و العدالة والديموقراطية والعقل …وغيرها من القيم التنويرية .
وإذا كان الهدف الرئيسي لحقوق الإنسان هو صيانة كرامته عن طريق تمتعه بكل الحقوق الإنسانية وإلغاء أي تمييز بين البشر, بما فيه التمييز بين الر جل والمرأة ,فلعمري إن سجن المرأة في لفيف من الثياب يخفيها من الأعلى إلى الأسفل خوفا من إثارة شهوة الرجل لهو احتقار لها وضرب لكرامتها وإلغاء لأية مساواة .وللكينونة الإنسانية .
لكن المؤسف هو اللجوء إلى الدين لتبرير الظاهرة وإضفاء نوعا من الشرعية عليها ,وبطبيعة الحال من يلغي العقل ويحاربه ويحتقر النساء ويعتبرهن مجرد أدوات للمتعة لا يمكنه إلا أن يقرأ النصوص الدينية قراءة سطحية خالية من الروح العقلانية والإنسانية ,قراءة ماضوية , ويخلط هذه القراءة بالتفسيرات والتصورات الخرافية .
وطبيعي أن تجد هذه التفسيرات صدى لها داخل المجتمع لأسباب وعوامل كثيرة متباينة ومتداخلة من أهمها :
-1-انتشار الأمية بشكل كبير ومهول خاصة في البوادي .ولا أقصد بالأمية الأبجدية منها فقط والتي تتلخص في عدم القدرة على القراءة والكتابة بل الأمية هنا تتجلى في تعطيل العقل ,والخضوع للخرافة والفكر الغيبي وكل ما يؤدي إلى عدم القدرة على إثبات الذات . اي باختصار انعدام الوعي الصحيح للواقع في صيرورته التاريخية .
-2-التحجر ورفض كل جديد بحجة أنه بدعة ,وبالتالي التقوقع على الذات وعدم الانفتاح على الآخر المتقدم المتنور فردا كان أو جماعة أو حضارة من أجل الاستفادة وتلقيح الأفكار وتصيح الخاطئ منها ,وبالتالي الانخراط في عالم التجديد والتحديث .
-3-الهشاشة والفقر وعدم الاستقلال الاقتصادي للنساء , وهذا عامل خطير جدا فالعوز يدفع المرأة إلى الاستسلام والخضوع والتبعية وقبول التحكم ,وبالتالي الخضوع للتفسيرات اللاعقلانية التي تنقص من قيمتها وتجعل منها كائنا ضعيفا ,تابعا مستلبا .
هكذا إذا تأملنا هذا الوضع البئيس والذي يدمي القلوب قبل العيون , خاصة بالنسبة لكل من ناضل ويناضل من أجل الدفع بالمجتمع نحو التطور والتقدم ويحاول دفعه نحو الحداثة ,لا يمكنه إلا أن يتساءل عن الحل للخروج من هذا البؤس الفكري و الاجتماعي والأخلاقي والحقوقي والثقافي ؟
أعتقد أن الحل الوحيد لتخليص المجتمع من هذا البؤس الرهيب هو :
إعادة النظر في كل أشكال الثقافة الموجودة داخل المجتمع بما فيها الفكر الديني ,وهذه القضية لا يمكن أن تتحقق إلا بإعادة النظر في طرق التفكير السائدة والقائمة على التقليد بدل الابتكار والخلق , وهذا يدفع بطبيعة الحال إلى إعادة النظر في المقولات والمفاهيم العامة والصور الذهنية السائدة وبالتالي العادات والتقاليد .
وتعتبر مقولة المطلق هنامن أكبر المقولات التي يجب مراجعتها باعتبارها عائقا كبيرا أمام أي تغيير أو تطور ,ولأنها تعمل على طمس العقل وقتل حرية التفكير .إن تطور الواقع الإنساني والمعرفة عموما يؤكدان على صحة مفهوم النسبية و أحقيته , لذلك فمن الضروري أن يتم إحلاله محل مفهوم المطلق الذي لا يعمل إلا على تكريس الجمود .
كما يجب تحرير الدين من السياسية وعدم استخدامه كأذاة ايديولوجية لتحقيق مكاسب سياسية ولتخدير العقول واستيلاب وعي الآخر .
وهذا معناه القيام بثورة ثقافية شاملة تعمل على زعزعة الأصنام الفكرية السائدة والتي لا ترسخ سوى التقليد والتشبث بالماضي لاغية الزمن والتاريخ . ومن واجب المثقفين تحمل المسؤولية الكاملة في الدعوة إلى هذه الثورة ومباشرتها على جميع المستويات الثقافية والعلمية وغيرها .
وبديهي أن تدخل القضية النسائية في صلب هذه الثورة من أجل تحقيق التغيير المنشود , باعتبارها قضية المجتمع برمته , فلا يمكن للمجتمع أن يتطور بنصفه فقط .إن المرأة والرجل عنصران أساسيان في التنمية وبدون إدماجها ومساواتها مع الرجل وتحريرها من كل المعيقات خاصة منها الثقافية والاقتصادية يستحيل تحقيق مجتمع المساواة ,مجتمع تجد فيه المرأة مكانتها كإنسان وليس كحرمة ,امرأة تتمتع بكل حقوقها الإنسانية ,امرأة تعيش وضعا كريما وليس وضعا بئيسا منحطا.

الكاتب : عائشة زكري - بتاريخ : 28/12/2017