يد ممدودة وعداء خالد

 عزيز لعويسي

 

بقدر ما نوهنا بالرسائل التي وجهها جلالة الملك محمد السادس للجزائر بمناسبة خطاب الذكرى 22 لعيد العرش المجيد، وتفاعلنا معها إيجابا، كغيرنا من المغاربة وعدد من الجزائريين الأحرار، من منطلقات الأخوة وحسن الجوار والتعاون والمصالح العليا المشتركة، بقدر ما كــان منسوب أملنا ضعيفا في أن يحــدث الخطاب الملكي ما نتطلع إليه من تغيير في مناخ العلاقات المغربية الجزائرية الذي يـعاني من جفاف حاد طال أمده، لأن معطيات الواقع، تقوي الإحساس في أن “عقيدة العــداء الخالد” للمغرب من جانب قادة الجارة الشرقية، بـاتت صخرة شديدة القوة والصلابة، يصعب تحريكها أو على الأقل زحزحتها، في ظل تجـذر صورة للمغرب في المخيال الجماعي الجزائري، مرادفة للبلد “العدو” و”المستعمر” و”المتجسس” و”المتآمر”، وهذا الموقف أو الانطباع على الأقل، عبرنا عنه في مقال سابق تحت عنوان “طارت معزة”، في إشارة إلى ما يتحكم في عقليات قادة الجزائـر، من عناد وكبريـاء وضغينة، ومن إصرار عصي على الفهم والإدراك، في الإبقاء على الوضع القائم على ما هو عليه، وفاء لعقيدة العداء الخالد.
الرد الجزائري على الخطاب الملكي، أتى سريعا عبر وسائل إعلام جزائرية منبطحة، هرولت كعادتها، للهجوم على المغرب والتمادي في إشهــار أسلحة التبخيس والتشكيك والاتهام والمظلومية، فـي تمرين عدائي لم يعد يخفى على أحد، عبر عنه الرئيس تبون، الذي خـرج في حوار صحفي “على المقاس” تطرق من خلاله إلى عدد من القضايا الداخلية والخارجية، من ضمنهـا تصريح قصيـر حول المغرب، حيث وبدل الرد الصريح والمسؤول عن المبادرة الملكية، اختـار كعادته لغـة التجاهل و المراوغـة واللف والدوران، بمطالبته المغرب بتقديم توضيح بخصوص ما صرح به، قبل أيام، السفير الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة حول منطقة القبايل، ولم يفوت الفرصة، للتحرش العلنـي بالوحدة الترابية، بالإشارة إلى أن «قضية الصحراء في يد الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار» مبديا استعداد بلاده «لاحتضان أي لقاء بين- ما أسماه – الجمهورية الصحراوية «الوهمية» والمغرب، ووضع الإمكانيات الضرورية تحت تصرفهما «، مدعيا في أكذوبـة مكشوفة، أن الجزائر تقف في موقع «الملاحظ النزيــه فقط» ولايمكنها «أن تفرض أي قرار على الصحراويين» على حد قوله.
استقراء لهذه التصريحات أو الأكاذيب على الأصح، يبدو واضحا أن ما ورد في الخطاب الملكي من إرادة في طي صفحات الماضي والتطلع إلى المستقبل واستحضار المصالح العليا المشتركة، لن يكون للأسف، إلا نداء عابرا عبور السحاب، لأن العداء الخالد للمغرب، بات «عقيدة» لنظام «خارج التغطية»، إلى درجة أن المغرب بات هاجس هذا النظام وكابوسه المزعج في الحركات والسكنات، ولن نـرى من مثال للتعبير عن عمق هذا العداء المترسخ في العقول والقلوب، سوى الإشارة إلى المبادرة التضامنية والإنسانية، التي صدرت عن جلالة الملك محمد السادس وهو يعطي تعليماته السامية لوزيري الداخلية والشؤون الخارجية، من أجل التعبير لنظيريهما الجزائريين، عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات التي شهدتها العديد من مناطق البلاد، بعدما تمت تعبئة طائرتين من طراز كنادير، للمشاركة في هذه العملية، بمجرد الحصول على موافقة السلطات الجزائرية، لكن وكما كان متوقعا، تم تجاهل هذه المبادرة الإنسانية الصرفة التي انتصرت لقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار، وتم الاستنجاد بدول أوروبية وفي مقدمتها الدولة المستعمرة السابقة «فرنسا»، بل وحتى الكلمة التي ألقاها الرئيس تبــون، لم تشـر لا من قريب ولا من بعيد إلى المبادرة المغربية ولو من باب الشكر والامتنان والمجاملة، بكل ما لهذا العناد العصي على الفهم والإدراك، على حياة الكثير من الجزائريين الذين تموقعوا في صلب حرائق مهولة لا حول لهم أمامها ولا قـوة، وعلى مقربة منهم طائرتان مغربيتان، تنتظران موافقة السلطات الجزائرية من أجل التدخل والإنقـاذ، لو تدخلتا في حينه، لجنبتا الجزائر الكثير من الخسائر البشرية والمادية، لكن ثبت أن عقيدة العداء الخالد للمغرب، لا عقل يتحكم فيها ولا قلب يوجهها ولا ضمير يرشدها.
بعد تبون، أتى الدور على قائد الجيش السعيد شنقريحة، الذي بات المغرب شبحه المخيف في السراء والضراء والحل والترحال وربما يحلم بالمغرب في منامه، إلى درجة أنه يستغل كل فرصة كبيرة كانت أو صغيرة لترديد أسطوانة العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، وهذا ما عبر عنه في لقاء جمعه بالمبعوث الأممي الجديد إلى مالي، بقوله إن «الصحراء تبقى آخر مستعمرة في إفريقيا، ويأمل شعبها في التعبير بحرية عن تقرير مصيره»، واصفا – كما تعود على ذلك – المغرب بالبلد «المحتل»، دون اعتبار «اليد الممدودة» ولا الرغبة التي أبداها المغرب في تقديم الدعم والمساعدة في الحرائق التي كانت الكثير من الولايات الجزائرية مسرحا لها، وبالمختصر المفيد، فســواء تعلق الأمر بتبون أو شنقريحة، فما يجب أن نقتنع به كمغاربة، هـو أننا أمـام نظام تمكن منه ورم العداء، ولم يعد يجدي معه خطاب العقل والحكمة والتبصر، أو تنفع معه لغة الترافع باسم الأخوة والعروبة والإسلام وحسن الجوار والتعاون والمصير المشترك، فقد ذاب جليد الحرب الباردة وسقط جدار برلين ودخل العالم في نظام جديد مبني على قواعد الوحدة والتضامن والتعاون والمصالح المشتركة، إلا هذا النظام العنيد الذي لم يتغير ولن يتغيـر.
النظام الذي طرد وهجر بشكل قسري حوالي 350 ألف مغربي يوم عيد الأضحى سنة 1975 من الجزائر وجردهم من كل ممتلكاتهم، ضاربا عرض الحائط كل القيم الإنسانية والدينية والأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ومبادئ حسن الجــوار، وظل ما يزيد عن أربعة عقود يهدد المغرب في أمنه ووحدته واستقراره عبر احتضان مرتزقة الوهم والعار، وارتعش بمجرد أن لوح المغرب لأول مرة بورقة القبائل .. النظام الذي قطع أرزاق مغاربة في منطقة العرجة بعدما حرمهم من أراض ظلوا يستغلونها منذ سنوات، وتنكر لليد الممدودة واستنجد بالأوربيين في الحرائق التي طالت عددا من المناطق الجزائرية عوض الاستجابة لنداء دول عربية وإسلامية من قبيل المغرب وتونس، مرجحا كفة العناد والعداء على حساب حياة الجزائريين المحاصرين بين الحياة والموت أمام حرائق مرعبة .. النظام الذي يستنزف الطاقات ويهدر خيرات الشعب الجزائري للتآمر على المغرب وتهديد أمنه واستقراره، ويراهن على عصابة الوهم والعار على حساب بناء مستقبل آمن ومستقر ومزدهر للشعبين الشقيقين المغربي والجزائري وللشعوب المغاربية .. النظام الذي لايجد حرجا في وصف المغرب بالبلد «المحتل» و»العدو»، ويفتقـد لأدنى شـروط العقل والحكمة والتبصر والمسؤولية، لن يكون إلا نظاما ميؤوسا منه، يصعب الرهان عليه لصناعة الأمل وبناء المستقبل، في انتظار أن يحدث ما يشبه «المعجزة» أو يظهر في الجارة الشرقية عقــلاء وحكماء، يستوعبون ما قاله الملك في خطاب العرش في أن المغرب والجزائر «توأمان متكاملان».
وعليه، وفي ظل هذا الوضع المقلق والمأسوف عليه، فما على المغرب، إلا توجيه «اليد الممدودة» نحو الأصدقاء الأفارقة، فهم أحوج بهذه اليد أكثر من غيرهم … وفي جميع الحالات فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، مهما علا صوت العداء الخالد، ونختم بتقديم خالص العزاء وأصدق المواساة للشعب الجزائـري الشقيق، سائلين لله عز وجل، أن يشمل شهداء الحرائق بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الكاتب :  عزيز لعويسي - بتاريخ : 16/08/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *