أوفياء للذاكرة والمستقبل

الاتحاد الاشتراكي

كان افتخارنا كبيرا، ونحن نستقبل ردود الفعل الغاضبة أو المستنكرة أو المفككة لما ورد في مقال «الغارديان»، بخصوص قائدنا وعريس الشهداء المهدي بنبركة.
وفهمنا أن الخط الوطني، والخط الأممي، اللذين لم يتنكرا لالتزاماتنا القومية باعتبارنا جزءا من فضاء حضاري واسع، لم يكن اختيارا فقط من بين اختيارات كثيرة، بل كان وعيا متقدما لقياداتنا التاريخية، وهذا ما يفسر أنه كلما تعرضت ذاكرتنا لنوع من التهجم، إلا ووجدنا معنا أصواتا كثيرة، بخلفيات وطنية، أوقومية، أو أممية، أو تقدمية، أو عالمثالثية، أو حداثية، تنتفض بدورها.
إن هذا التملك الوطني للإرث والذاكرة الاتحاديين، يجعل إصرارنا يكبر نحو حماية الحزب ذاكرة وتنظيما وخطا واختيارات.
ففي هذه الزوبعة في فنجان، التي بعثت معها روائح كريهة من الحقد على الشهيد بنبركة وعائلته السياسية الواسعة والخط التقدمي الذي كان أحد قاماته العالميين، التقطنا رسالتين هامتين:
الرسالة الأولى: هي أن الذين اغتبطوا بما نشر من معطيات لا يسندها دليل، وهي على كل حال ليست جديدة، وتم تفنيدها منذ أن نشرت في 2006، وأغلق الموضوع من طرف من يملكون النباهة، من الباحثين الموضوعيين، فهؤلاء المغتبطين الذين ظنوا أنهم أعادوا اكتشاف كروية الأرض، أغلبهم سواء هنا أو في مناطق أخرى من العالم تشهد بالأيادي البيضاء للشهيد المهدي بنبركة، كانوا أصواتا يمينية معادية للفكر التقدمي والحداثي، ومناصرة للتقوقع والانكفاء الشوفيني على الذات، ومدافعة عن العنصرية، ومأخوذة بخطابات عودة القوميات والوطنيات الضيقة غير المنفتحة على رحابة العالم، مما يعني أن الاتحاد الاشتراكي عليه أن يستمر في واحدة من معاركه الأساسية، وهي نشر قيم السلام والتسامح والتضامن بين الشعوب، ونبذ الدوغمائيات سواء كانت دينية أو وطنية أو قومية أو عرقية.
الرسالة الثانية: أن المهدي بنبركة لم يكن قائدا تقدميا يهدف إلى محاكاة النموذج الصيني أو السوفياتي للاشتراكية، فقد كان يشترك مع التقدميين في العالم على مستوى العناوين الكبرى: مقاومة الكولونيالية والتبعية، وتشييد مجتمعات التحرر والعدالة الاجتماعية، ولكنه كان منشغلا بإقامة نماذج للتنمية المحلية على حسب الخصوصيات الثقافية والهوياتية والمناخية والتضاريسية والقيمية، ومن هنا كانت فكرة تطوير إرث « التويزة» الأمازيغي في تفكيره لخطط الإصلاح الزراعي مثلا، ولذلك ونحن نتذكر إعطاءه انطلاقة طريق الوحدة مع مولاي الحسن ولي العهد آنذاك، فإننا نقول إنه مع أمثال المهدي بنبركة تعلمنا أن الوطن أولا، وأن مصلحة الوطن العليا، لا تكون إلا بالتحام وطني بين المؤسسة الملكية والقوى الحية التي تنشد التحرر وتسييد قيم المستقبل.
ولأن المناسبة شرط، نذكر بأنه قبل جريمة اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة، كانت قد تشكلت عند المغفور له الحسن الثاني، رحمه الله، قناعة بضرورة بناء مصالحة وطنية كبرى، وتلك المصالحة لم تكن لتكون طريقها سالكة حسب الرؤية الملكية إلا بإعادة بناء جسور الثقة، ليس مع الشهيد وحده، وقد كان نسيجا وحده، ولكن مع كل العائلة الوطنية التي كافحت من أجل استقلال البلاد وبناء أسس سيادتها الوطنية.
لكن الأطراف التي كانت لها روابط مع مراكز التبعية والنيوكولونيالية من جهة، ومع العسكرتاريات الصاعدة في المنطقة من جهة أخرى، سعت إلى تنحية الشهيد المهدي بنبركة من أجل توقيف ذلك المسار، وقد دفعت البلاد أثمانا باهظة من ذلك، سواء على مستوى التنمية الاقتصادية والبشرية والثقافية، أو على مستوى الحقوق والحريات، إذ بعد جريمة الاختطاف دخلنا في منعطف أسود من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة لحقوق الإنسان.
وهذا ما جعلنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نعتز بالرسالة المولوية السامية التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى اليوم الذي خلدنا فيه ذكرى يوم المختطف الذي يتزامن مع ذكرى الاختطاف المؤلمة، والتي تلاها المرحوم الراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وكان حينها هو الكاتب الأول للحزب، والوزير الأول، واعتبرناها، كما اعتبرنا حكومة التناوب التوافقي قبلها، استئنافا لما كان يريده الحسن الثاني، رحمه الله، حين بعث وسطاءه للمهدي بنبركة في منفاه.
نحن لسنا حزبا طارئا، نحن ورثة تاريخ مجيد، تاريخ يحمل داخله المستقبل، وبهذه الروحية يجب أن نتوجه لمؤتمرنا القادم، وفي يدنا بوصلة الوفاء: المغرب أولا.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 30/12/2021