التعليم العالي ومتطلبات الإصلاح

الاتحاد الاشتراكي

الصورة التي رسمها الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين حول واقع التعليم العالي ببلادنا، لها من العمق والتعبير ما ينذر بالمزيد من تدهور هذا القطاع ما لم يتم تدارك أوضاعه، ووقف تراجعاته.
أبرز ملامح هذه الصورة، أن الجامعة المغربية فقدت طاقتها المعرفية، والأكاديمية، ومخزونها الرمزي، وربما انتهى دورها أحيانا، وانتفت الشروط التي أسست لها، وأنها شهدت في العقود الأخيرة حركة توسع على مستوى الكم، وصاحب هذا التوسع توزيع عشوائي جغرافي للمواقع الجامعية … هذا التوزيع محمل بعناصر ومعالم الأزمة التي يعاني منها التعليم العالي ببلادنا، إذ يبدو أن كثيرا من المواقع تفتقد إلى الشروط الموضوعية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية لقيامها، وهو ما أثر على خارطة التعليم العالي ومتغيراته المحتملة…
إن ما عبر عنه الفريق الاشتراكي ينطلق أساسا من التقييم الذي عبر عنه الاتحاد بخصوص هذا القطاع الذي يواجه تحديات متعددة في السنوات الأخيرة، نتيجة جملة من الإكراهات والمشاكل التي يعاني منها بفعل سوء التدبير، وافتقاد النفس الاستراتيجي في السياسات العمومية المتبعة.
ويرتبط إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي بمجالات المنظومة الشاملة: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، المتسمة بتحولاتها العميقة ووتيرتها المتسارعة، مما يستلزم بلورة رؤية جديدة تتجاوزعوائق المنطق التقليدي، وتتوسل بآليات مغايرة ومبدعة لتطوير المنظومة التربوية. إنها آليات وظيفية تمكن التعليم العالي من تأهيل الحياة الجامعية، ودعم البحث العلمي، ورفع تحديات المنافسة التربوية، وتلبية الحاجات التنموية الملحة للمجتمع، من خلال توفير شروط الجودة، وتحسين مستوى الأداء والمردودية.
لذلك، فإن مساءلة الفريق الاشتراكي للحكومة بشأن هذا القطاع، تعكس الرغبة في أن يتم إيلاء الاهتمام به وتوفير الامكانياتالمادية والمعنوية والشروط الضرورية، سواء على مستوى البرامج الجامعية والتأطير البيداغوجي أو على مستوى التدبير المالي، وتقوية التجهيزات والبنيات التحتية، كي يصبح التعليم العالي بالمغرب، منتجا للمعرفة، مواكبا لحاجيات التطور والتقدم، مرتبطا بسوق الشغل، مساهما في بناء الإنسان المغربي، متموقعا بشكل جيد في المحيط الاقتصادي والاجتماعي العام. وهو مايعني إقرار الحكامة والجودة بهذا القطاع، لأنهما متلازمان في النجاعة والفعالية. ودون شك، فإن ذلك يتطلب العديد من الإجراءات أبرزها:
بناء منظور متقدم للحكامة الجامعية يتجاوز التدبير اليومي الظرفي نحو تدبير مهيكل، منبثق من المشروع المجتمعي التشاركي، وقائم على النجاعة والفاعلية، وضمان شروط الجودة والإنصاف واقتصاد المعرفة.
وضع خريطة عادلة للتوزيع الجغرافي الخاص بالمؤسسات الجامعية العليا، وتوسيع تغطيتها المجالية في علاقة ملائمة مع إعداد التراب الوطني، ووفق منظور توقعي، وتخطيط مستقبلي في إحداث الجامعات.
استعادة مبادرة الجامعة داخل محيطها المجتمعي عبر تمتيعها بالثقة اللازمة، وتمكينها من الانخراط الفاعل في التحديات المجتمعية الحاضرة والمستقبلية، مع تقوية أدوارها ووظائفها الحيوية، في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للتعليم العالي، وخاصة القانون 00/01 والنظام الأساسي للأساتذة الباحثين، بغية معالجة مشاكل التدريس، والتأطير، والبحث العلمي من جهة، وتحفيز الأطر الجامعية من جهة أخرى.
لقد أكد الفريق الاشتراكي ذلك، وهو يعقب على جواب السيد الوزير :»إن أي إصلاح يستبعد تطبيق الديمقراطية الحقيقية في كل مراحل العملية التعليمية وعلى مدار المعيش اليومي داخل المؤسسات التعليمية، سيؤول إلى الفشل، وأن الديمقراطية تعني إقرار مواطنة حقيقية، والتي تعني بدورها منح الحقوق الأساسية لكل المواطنين دون تمييز، والحق في تعليم جيد هو أحد هذه الحقوق الأساسية، والتي تعتبر شاملة وغير مجزأة»، وذلك هو صلب أي إصلاح.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 04/11/2017