الجريمة ..الحاجة لاستراتيجية جديدة

لا يمر يوم إلا وتداولت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي خبرا، على الأقل، يتعلق بجريمة تم اقترافها بالمغرب، في إحدى مدنه أو قراه، في حي سكني أمام أنظار العموم أو داخل مسكن أو في وسائل النقل … دماء تسيل بل وجثث يمثل بها وأجساد يتم نثرها بحاويات نفايات … جرائم لا تستثني الشيوخ والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة.
هذه الصورة البشعة للجرائم ببلادنا وجدت صدى لها في التقرير السنوي الذي ينشره موقع “نامبيو”، الذي يوصف بكونه أكبر قاعدة بيانات عالمية تهم معطيات شبه دقيقة عن المدن والدول في مختلف أنحاء العالم، حيث بوأ المغرب الرتبة الـ43 عالميا والسادسة عربيا بمعدل يقارب 48 في المئة، واحتلت الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، المرتبة الـ94 عالميا بمعدل متوسط أيضا في الجريمة 53.24 في المئة، متوسطة كلا من العاصمة الفرنسية باريس في الرتبة الـ93 وجاكارتا الإندونيسية في الرتبة الـ95 عالميا…
نعم هناك جهود جبارة تقوم بها مصالح الأمن من أجل محاربة الجريمة وتأمين سلامة المواطنين وممتلكاتهم،
جهود لا يمكن إلا الإشادة بها حيث تتم تعبئة العنصر البشري الأمني بإمكانياته اللوجيستيكية من أجل عمليات استباقية أو ملاحقة المجرمين في ظروف صعبة تعرض العديد من أفراد قوات الأمن لمخاطر تمس أحيانا بحياتهم. هي جهود تتطور يوما بعد يوم للحد من هذه الظاهرة المقلقة ومحاصرتها، وهي ظاهرة لها،دون شك، أسباب متعددة من أبرزها :
أوضاع اجتماعية صعبة يعاني منها بالخصوص الشباب، ومن أوجهها استفحال البطالة التي تعرف مؤشراتها ركودا في مستوى معين، فالأرقام التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط تبرز أن النسبة تتراوح في حدود عشرة بالمئة، وهذا الوضع له إفرازات متعددة من بينها الجنوح إلى الجريمة بمختلف تمظهراتها .
الفضاءات العمرانية الجديدة المتمثلة في الغابات الإسمنتية التي ينتجها المنعشون العقاريون، والذين لا هم للعديد منهم سوى الربح فقط، على حساب توفير المتطلبات الضرورية للأحياء السكنية، إذ لا توجد مناطق خضراء ولا مرافق اجتماعية، غابات إسمنتية يخيم عليها القلق الاجتماعي ويجثم على صدرها التوتر وتتكدس في «أقفاصها» أسر لا تتناسب مساحاتها وعدد ساكنتها.
انهيار جوانب متعددة من القيم الاجتماعية النبيلة التي رافقت العائلة المغربية في حياتها ومحيطها وعلائقها، وهذا البعد السوسيولوجي خلق ظواهر سلبية لها تعبيرات متعددة من بينها الجريمة …
إن المغرب اليوم بحاجة إلى مقاربة جديدة تندرج ضمن استراتيجية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار كل الأسباب المشار إليها أعلاه وغيرها من الدوافع التي تغذي الجريمة. استراتيجية تستهدف تقليص حالات التوتر والقلق والبطالة وتنتبه لأهمية القيم الاجتماعية التي تشكل مناعة ضد الإجرام بمختلف أشكاله وتمظهراته.