الحوار الاجتماعي، جديته ومأسسته أولوية الأولويات

أبرز الملفات التي من المفترض أن توضع اليوم قبل الغد على طاولة الحكومة وعملها واهتماماتها، ملف الحوار الاجتماعي، لقد قدم رئيس الحكومة، قبل يومين، حصيلة الأربعة أشهر من عمل فريقه الحكومي، وأبرز الإجراءات ال 120 التي تم اتخاذها منذ أبريل الماضي إلى اليوم، لكن ولكي يكون لهذه الإجراءات دلالة وقيمة سياسية وإدارية لابد لها أن تستهدف المجال الاجتماعي الذي يعد الحوار بشأنه ضرورة مستعجلة، خاصة وأن هناك مطالب عدة تطرحها المركزيات النقابية والفاعلين الاجتماعيين، بالإضافة طبعا للهيئات السياسية.
لقد أبرز الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو يتحدث بمناسبة تقديم حصيلة الحكومة أن هذا الحوار « لم يرق بعد إلى ما كنا نتطلع له، ولابد أن نقول إن القدرة الشرائية للمواطنين وان تحرك الأجور توقف لأزيد من خمس أو ست سنوات «. وهذا التصريح ماهو إلا امتداد لما ورد في بلاغ المكتب السياسي للحزب قبل أسبوع، حيث عبر عن «انشغاله العميق بالوضع الاجتماعي، منطلقاً من الجمود الذي عرفه الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين، وغياب أي اتفاق تعاقدي، منذ ست سنوات، مما أثر كثيراً على وضعية أجور الشغيلة، وبموازاة ذلك ضعفت القدرة الشرائية للجماهير، بسبب ارتفاع أثمان المواد الاستهلاكية والخدمات وغيرها، بالإضافة إلى كل الأوضاع الأخرى المستفحلة في مجالات الصحة والتعليم والنقل والحماية الاجتماعية…»، كما اعتبر الاتحاد في البلاغ المذكور أن وضع ميزانية السنة المقبلة يشكل فرصة لإعادة النظر في منهجية إعدادها، وفي ما تتضمنه من بنود، خاصة ما يتعلق بالوضع الاجتماعي، الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية، من أجل تدارك الخصاص والاستجابة لعدد من المطالب المشروعة.
إن الحكومة مطالبة بالوفاء بالتزاماتها التي ضمنتها في برنامجها الحكومي والمتمثلة في بلورة ميثاق اجتماعي يحدد التزامات مختلف الأطراف بهدف تطوير العلاقات المهنية ومأسسة الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية. وبالتالي عليها أن تضع نصب أعينها هذا الالتزام لترسيخ ثقافة الحوار عبر مأسسته، حوار منتج يلبي المطالب الاجتماعية ويجعل مستوى الأجور منسجما مع مستوى المعيشة ويحسن من ظروف الشغل ويعمم التغطية الصحية وينصف الشغيلة …
إن هناك رصيدا مهما من تصورات إقرار حوار اجتماعي في مستوى المرحلة التي يمر منها المغرب، رصيد راكمه الفاعلون الاجتماعيون، كما أن هناك إرادة سياسية عبر عنها جلالة الملك في رسالته التي وجهها في فبراير الماضي إلى المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، حيث حدد فيها جلالته أربعة رهانات، شكلت الإطار الفكري والتنظيمي لنموذج فعال وناجع للحوار الاجتماعي :
يتمثل الأول، في مأسسة آلية مبسطة في مسطرتها، واضحة في منهجيتها، وشاملة لأطرافها، ومنظمة في انعقادها، ذات امتدادات ترابية واضحة وأدوار متكاملة، وذات قدرة استباقية.
والثاني، في ضرورة توسيع موضوعات الحوار الاجتماعي، لتشمل قضايا جديدة، أبرزها قضايا المساواة الفعلية، ومكافحة التمييز بين الجنسين في مجال العمل، والقضاء –بالفعل- على تشغيل الأطفال، مع ضمان شروط العمل اللائق للأشخاص ذوي الإعاقة.
وثالث الرهانات، التي أوردتها الرسالة الملكية، تتعلق بضرورة بناء المنظومة الجديدة للحوار الاجتماعي، باستحضار متطلبات المساواة بين الجنسين، ومقاربة حقوق الإنسان، والتزامات بلادنا، بمقتضى اتفاقيات منظمة العمل الدولية، ومتطلبات التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية.
أما الرابع، فشدد على اعتبار مأسسة الحوار الاجتماعي، مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
إذن يعد الحوار الاجتماعي ملفا مستعجلا نتمنى أن يكون أبرز محور في المحطة المقبلة من الحصيلة التي وعد رئيس الحكومة بتقديمها بشكل دوري ومنتظم، محور يؤكد المأسسة ويشدد على الجدية ويعلن للرأي العام عن إجراءات إيجابية تلبي المطالب الملحة .