الرسالة الحدث

سلطت الرسالة الملكية بالقمة الخامسة للاتحادين الافريقي والأوروبي الضوء على أولويات الراهن والمستقبل بين شعوب قارتين متجاورتين، تربطهما علاقات تاريخية واقتصادية وسياسية ..فبكل وضوح وعمق، شكلت الرسالة حدثا بهذه القمة بين هذين التجمعين في لقائهما الخامس بأبيدجان.
الشراكة كعلاقة، والهجرة كقضية، وما يتطلبان اليوم من مقاربة .هذا هو المضمون المترابط بالرسالة الملكية:
الشراكة بين افريقيا وأوروبا، التي مضى على تأسيسها سبعة عشر عاما، عليها أن « تتطور وترتقي إلى مستوى ميثاق مشترك. إن الأمر يتطلب أن تعمل القارتان الإفريقية والأوروبية سويا، على مواجهة التحديات المطروحة، من خلال تطوير تنافسية مشتركة، وتوطين المقاولات المنتجة بكلتا القارتين، وضمان حركية منظمة لتنقل الأشخاص، وتعزيز التبادل الثقافي المثمر». وامتدادا لهذا البديل، الذي اقترحه جلالة الملك «يتعين من الآن فصاعدا، الحديث عن وجود شراكة أفقية حقيقية، عوض المنطق القائم على تقديم المساعدة، وفق منظور عمودي»، وأن يكون لمفهوم التضامن بين القارتين بعد حقيقي، لأنه « ليس مفهوما فارغا. ولا يعني وجود علاقة ترتكز على العمل الخيري الإنساني من جانب واحد. فالتضامن المقصود هنا، يقوم على المسؤولية المشتركة، وترابط المصالح بين الطرفين على حد سواء».
أما قضية الهجرة، التي لها عمق تاريخي عريق، فإن الرسالة الملكية وضعتها في إطارها التاريخي وما أفرزته من نتائج . فالتعاطي معها بعد فترة الاستعمار،» لم يحقق إلا نجاحا محدود، كما أنه لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة كمصدر للحلول والفرص التي تتيحها، وإنما كعامل للتهديد واليأس».وهي دون شك، ستجعل من القرن الحادي والعشرين، قرن التلاقحات والتمازجات الكبرى بامتياز. و»هذا الوضع الواقعي، يلزمنا بالامتناع عن إضفاء أي بعد إيديولوجي أو عاطفي على الخطابات ذات الصلة بالهجرة، وتجنب تغذيتها بمشاعر الكراهية تجاه الأجانب.»
لقد كان للهجرة تداعيات كثيرة سواء بدول إفريقيا أوبأوروبا، وأفرزت مغالطات رصدتها الرسالة الملكية .واليوم، تطرح الأسئلة الأساسية: هل بإمكاننا إيجاد حلول ناجعة لهذه الظاهرة؟ أم أنه من المفروض علينا أن نعيش في مناخ تنعدم فيه الثقة؟
«إننا نستطيع التحرك والمبادرة، يقول جلالة الملك. غير أنه ليس بإمكاننا أن نقوم بكل شيء، بل أكثر من ذلك، لا يمكننا أن نحقق ذلك بمفردنا. لذا، ينبغي العمل على تطوير السياسة الأوروبية في هذا المجال».
وهذا العمل، يتمثل في وضع تصور جديد لمسألة الهجرة، من خلال التعاطي معها كموضوع قابل للنقاش الهادئ والرصين، وكحافز على الحوار البناء والمثمر.وهذا التصور، ما هو إلا خطة أصبحت تفرض نفسها بإلحاح شديد، وتقتضي تفعيلها على أربعة أصعدة: وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا. ومن بين عناصرها أن الدول الإفريقية «مطالبة بالنهوض بمسؤولياتها في ضمان حقوق المهاجرين الأفارقة، وحفظ كرامتهم على أراضيهم، وفقا لالتزاماتها الدولية، وبعيدا عن الممارسات المخجلة واللاإنسانية الموروثة عن حقبة تاريخية عفى عليها الزمن».
إنها المقترحات الرئيسية، التي سيقدمها جلالة الملك إلى القمة الافريقية المقبلة، باعتباره رائد الاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة من أجل صياغة خطة عمل إفريقية بشأن هذه الظاهرة.
إن علاقة الاتحادين اليوم، يجب أن تتأسس على شراكة جديدة والقضايا التي تعرفها هذه العلاقة تقتضي مقاربة وتصورا جديدين، وهو ما ركزت عليه الرسالة الملكية، التي استرْعت اهتمام المشاركين بقمة أبيدجان، الرسالة التي أكدت أن المغرب منخرط بكل جدية من أجل تنمية إفريقيا وشعوبها.