تمغربيت الحداثية..

«الاتحاد الاشتراكي»
إن هذه العودة القوية للوطنية بالمغرب، وإن كانت في جزء منها، مرتبطة بسياق كوني يعرف تصاعدا للوطنيات والقوميات، وتضخما لخطاب الخصوصيات، أحيانا بخلفيات مقاومة للتنميط والاستيلاب، وأحيانا بخلفيات عنصرية وتمييزية لا تؤمن بالاختلاف والمغايرة، تفرض على كل الحداثيين مساءلة هذه العودة القوية لخطاب الذات المغربية في مواجهة الآخر: المؤامرة، التدخل في الشأن الداخلي، الجوار الصعب…
نحن في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نزعم أننا الأجدر على اجتراح حلول قمينة بالجواب على طرفي المعادلة: الإنسية المغربية من جهة، والحداثة من جهة أخرى.
ذلك أن الاتحاد الاشتراكي هو سليل إرث الحركة الوطنية وجيش التحرير بروافدهما الثقافية والسياسية والاجتماعية المتعددة.
لقد كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في نشأته حاضنا للمغرب المتعدد، ولم يقطع الحزب، رغم الميولات التقدمية لقادته التاريخيين، مع الأخلاقيات المغربية، القادمة من الأصول الأمازيغية والصحراوية والبدوية والحضرية، التي تشكل تلك الفسيفساء التي تجعل المغاربة يحسون بالانتماء لهوية منصهرة.
إنها تلك الوحدة في ظل التنوع، التي تشكل المتراس أمام كل الدعوات التجزيئية والتقسيمية التي تراهن على تمرد الانتماءات الصغرى كما حصل في دول عديدة.
ومن جهة أخرى فالاتحاد الاشتراكي لم يخف يوما أفقه الحداثي، الذي جعله في طليعة التعبيرات المجتمعية والسياسية التي تدعو للمساواة الكاملة غير المنقوصة بين الرجال والنساء، والذي يعلن صراحة وبدون مواربة عن رفضه لتسييس الدين الذي يسمونه زورا أسلمة للدولة، وكأن الدولة كانت كافرة قبلا.
واليوم، ينصف التاريخ الاتحاد الاشتراكي، بحيث تتجه الدولة والمجتمع معا نحو الكيمياء التي كان الاتحاد الاشتراكي في زمن ما وحده الذي يقول بها.
ولنقل، إن الاتحاد الاشتراكي كان على يسار اختيارات، وعلى يمين أخرى.
كان على يسار الاتجاهات النكوصية الأصولية التي كانت ترفض الحداثة ومخرجاتها من ديموقراطية ومساواة واختلاف، ولكنه كان على يمين الاتجاهات الحداثوية التي كانت تقول بالقطيعة المطلقة مع الماضي.
لقد انتبه الاتحاد الاشتراكي مبكرا إلى أنه ليس ملزما بأن يكون نسخة طبق الأصل للتجارب الاشتراكية الأوروبية القادمة من سياق تداولي قائم في جزء منه على سوء الفهم مع المؤسسات الدينية التقليدية.
واليوم فإن الاتحاد الاشتراكي يقول إن الانخراط في مجرى الحداثة كذلك، لا يعني التنكر للذات الحضارية، ذلك أن الكونية عند الحزب لا تعني التنميط والاستيلاب وفرض النموذج الواحد، بل تعني الكونية عندنا هي مساهمة كل الخصوصيات في حوار متكافئ على قاعدة استفادة الجميع من المكتسبات الثقافية والعلمية والتكنولوجية.
غير أنه يجب الانتباه إلى خطورة فكلرة مفهوم «تمغربيت»، بأن نجعله دالا على طقوس احتفالية مرتبطة بالأكل والمعمار والرقص، ونفصل هذه الطقوس عن القيم التي تثوي خلفها، قيم الاعتزاز بالأرض، والتضامن، واحتضان الغريب.
ولذلك فحين نتقدم اليوم للانتخابات، نضع التمغربيت في صلب برنامجنا الانتخابي، بمعنى وأفق حداثيين.
ونعني بذلك تثمين الرأسمال الرمزي، والرأسمال اللامادي كذلك في المساهمة في الجواب على تحديات المرحلة والمستقبل معا.
إن التمغربيت يمكن أن تكون أداة من أدوات مواجهة التحديات البيئية من مدخل كل الإرث المغربي الذي يجعل مفهوم الاستدامة مركزيا في عمل الإنسان المغربي بالواحات والجبال والسهول والآراضي السلالية.
كما أن التمغربيت بما هي حاملة لقيم التضامن قابلة بأن يتم أقلمتها وتبيئتها في مناخ الاقتصادات التضامنية والتعاونية.
فضلا عن ما يمكن أن تساهم فيه في تجويد الاستثمار في قطاعات مرتبطة بصناعات يزداد الطلب عليها عالميا، سواء الصناعات التحويلية أو التقليدية، وبالتالي تصبح طريقا نحو إنتاج الثروة من جهة، وفك العزلة عن مناطق تاريخية.
وإذا كان الدين الإسلامي الحنيف يعترف بالعرف باعتباره مصدرا من مصادر التشريع، فإن تاريخ الإسلام بالمغرب يكشف عن عقل جبار للعلماء بالبلد، بحيث طوعوا الأعراف المحلية لتنسجم مع قيم ومبادئ الدين في فهم معتدل وسطي للإسلام، ولذلك نجد تطبيقات مختلفة لنفس الأصول، كالعمل السوسي والعمل الفاسي، والنوازل في منطقة جبالة وغيرها من الشواهد.
إن هذا الموروث الديني المغربي، الذي يجمع بين التصوف وبين استثمار الأعراف المحلية واحتضان الاجتهاد، يمكن أن يلعب أدوارا مهمة وفارقة، سواء لجهة الإجابة عن الأسئلة الروحية والنفسية، أو لجهة الإشعاع المغربي في محيطه الإقليمي، وأساسا لمواجهة الفكر المتطرف الإرهابي المنغلق.
وعودا على بدء، فإن التمغربيت لا تعني عندنا الانغلاق ومصادمة الجديد، بل هي ببساطة ووضوح تعني: المساهمة المغربية في أفق الحداثة الكونية، تلك الحداثة التي نرفض أن تفرض قسرا من طرف أي مركز.
إن التمغربيت في منظورنا يمكن موقعتها ضمن تيارات ما بعد الاستعمار، باعتبارها حقنا في أن نكون مختلفين وفي الوقت نفسه أن نكون جزءا من الحداثة لا على هامشها.
الكاتب : «الاتحاد الاشتراكي» - بتاريخ : 04/09/2021