تناوب آخر: ممكن…

«الاتحاد الاشتراكي»
لماذا ننادي بتناوب جديد بأفق اجتماعي ديمقراطي؟ وما مداخله؟
كان مصطلح «التناوب الديموقراطي» في مرحلة النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي إشارة إلى رغبة أحزاب الحركة الوطنية آنذاك في تجاوز ما يمكن تسميته بالاحتباس «المفاهيمي».
فقبل بدء المشاورات بين الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، وقيادات أحزاب الحركة الوطنية، كان ثمة تقاطب في المفاهيم المتداولة في المشهد السياسي تعبر عن نوع من القطيعة وغياب آليات لتدبير التعددية السياسية.
فقد رسخ في الأذهان، كما الممارسة، أن ثمة أحزابا ديموقراطية في مواجهة تعبيرات مخزنية. ولذلك فإن إنجاح الحوار بما يفضي لوضع البلد على سكة الدمقرطة، كان يقتضي إنضاج الشروط، ومن بينها تليين الخطاب بالمعنى النبيل القريب مما يتداوله المغاربة حين يكونون بصدد البحث عن الخروج من متاهة يتحكم فيها العناد، فيقولون: نخليو للماء منين يدوز.
وبين عبارة «التداول السلمي على السلطة» الأثيرة عند الصف الديموقراطي والمعبرة عن أفقه حينذاك، وبين عبارة «الخصوصية» التي كانت أثيرة عند جزء من المحيطين بالملك الراحل، الذين كانوا يخافون فتح البلد فجأة على ديموقراطية كاملة قد تكون عواقبها غير مأمونة بحسبهم.
بين العبارتين، حمل مصطلح «التناوب الديموقراطي» ما يمكن اعتباره الحل الوسط التاريخي.
صحيح أنه تناوب كان بعد انتخابات لم تسلم من تزوير، ولكنه لم يكن تزويرا كما السابق من أجل منع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من تبوء الصدارة، بل فقط من أجل ألا تكون هناك فروقات كبيرة بين مقاعد الاتحاد الاشتراكي وحلفائه في الكتلة الديموقراطية وبين الأحزاب التي كانت تنعت بالأحزاب الإدارية .
وقد فهم الاتحاد الاشتراكي أن ثمة أياد لم يكن يروقها التقارب بين الراحلين الحسن الثاني وعبد الرحمان اليوسفي، رحمهما الله، ولا إعادة بناء العلاقة بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية.
وكان جلالة الملك في الموعد، حين أحاط التناوب بضماناته الشخصية، بأن لا تتعرض الحكومة التي كلف بها الكاتب الأول للحزب لعدم التصويت على برنامجها بالبرلمان الجديد، ومن جهته أدمج الأخ اليوسفي حزبين كان يشكلان قبل ذلك خصمين سياسيين له، وهما التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية كتعبير عن حسن النية، وإشارة على رفض أي نزوع نحو الإقصاء بسبب الإيديولوجيا أو التاريخ الحزبي.
لن نعود لما حدث سنة 2002 بعد تعيين جطو وزيرا أول، فالمهم حينها هو أن الاتحاد الاشتراكي فضل تيسير مهمة شخصية عينها جلالة الملك، على وضع العصا أمام العجلة، رغم أنه تصدر نتائج الانتخابات، لأن الأولوية حينها هي إكمال الأوراش التي تم الشروع فيها مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ومرافقة الأوراش الجديدة المعبرة عن إرادة العهد الجديد في التحديث وبناء ممكنات المشروع الحداثي الديموقراطي.
اليوم نحن مدعوون، بعد عشر سنوات من دستور 2011، إلى التفكير في تناوب جديد، قد يشبه التناوب الأول في روحه الوطنية، ولكنه حتما لا يشبهه في أدواته.
فإذا كان التناوب الأول ضعيفا من حيث ضماناته القانونية والدستورية والواقعية، ولولا التقاء إرادتين استثنائيتين للمغفور له الحسن الثاني والفقيد المجاهد عبد الرحمان اليوسفي لربما كنا ضيعنا فرصة تاريخية، فإننا اليوم أمام ضمانات أكثر قوة.
فبالإضافة إلى الضمانة الدائمة للملك محمد السادس الساهر على حماية الاختيار الديموقراطي، فإن الدستور يجعل الخيار الأول متمثلا في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول من حيث المقاعد، ووزارة الداخلية من خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة أبانت أنها تحرص على نزاهة الانتخابات وأنها قطعت نهائيا مع عقود التزوير السابقة، ولا توجد أي قوى سياسية تنازع، ليس فقط في مشروعية وشرعية الملكية، بل كذلك في أدوارها في حماية الحقوق والحريات والاختيار الديموقراطي.
ولذلك فحين نطرح تناوبا جديدا بأفق اجتماعي كهدف للانتخابات القادمة نعني بذلك بكل وضوح أن مصلحة الوطن، بعد عشر سنوات من قيادة حزب بمرجعية محافظة، تقتضي اختيارا آخر على مستوى المرجعية والأجيال والأفق والاختيارات.
لا نخفي سرا إذا قلنا إن الملك محمد السادس في محطتين بارزتين أثبت أن البلد يقاوم ضغوطا من أجل ألا ينقلب على خياره الديموقراطي، فقد كان انسحاب حزب من حكومة بنكيران الأولى في سياق إقليمي مطبوع ببدايات كنس الإسلاميين من السلطة، لكن الضمانات الملكية هي التي سهلت عدم سقوط الحكومة بإدخال حزب آخر، ذلك السقوط الذي كان يعني دخولنا في أزمة حكومية.
أما المحطة الثانية فهي ما سمي إعلاميا خطأ بالبلوكاج، وكان السياق إقليميا كذلك مضادا لاستمرار إسلاميي المغرب دون غيرهم من الإسلاميين على رأس حكومة في بلد بحجم المغرب سواء بثقله الإقليمي أو بتحولاته الاستراتيجية التي يقودها الملك بتبصر وثبات، وكان أمام الملك خيارات متعددة، كما أشار بلاغ للديوان الملكي، لكنه آثر مرة أخرى مد طوق النجاة للحزب الذي تصدر الانتخابات حفاظا على المكتسبات الديموقراطية، وتأسيسا لأخلاقيات جديدة في الممارسة السياسية، تضع الأحزاب أمام مسؤولياتها وتحترم مخرجات صناديق الاقتراع.
للأسف، تتابعت ممارسات كثيرة فهمنا منها أن الحزب « الأول « انتخابيا لم يرد التحية بأحسن منها، بمعنى أنه بقي ينظر لشركائه في الأغلبية الحكومية الذين التقطوا الإشارات الملكية، بمنظار متضايق بعيد عن منطق الشراكة .
وليس صحيحا ما يدعيه الحزب، الذي قاد الحكومة خلال العشر سنوات الأخيرة، بأنه لم يكن مسؤولا عن القطاعات الأساسية، فخلال هذه الفترة مر من تسيير قطاعات: الماء، والطاقة، والمعادن، والسكنى والتعمير، والعدل، وحقوق الإنسان، والتعليم العالي، والخارجية، والجالية، والأسرة والطفولة، والتضامن الاجتماعي، والمجتمع المدني، والثقافة، والاتصال، والصناعة التقليدية، وإعداد الميزانية، وإصلاح الإدارة، والتشغيل، فضلا عن تسيير كبريات مدن المملكة: الدار البيضاء، طنجة، الرباط، القنيطرة، سلا، أكادير الكبير، تطوان، فاس، مكناس…
ومما سبق فإن التناوب الاجتماعي، الذي نريده هدفا للاستحقاقات القادمة، ينطلق من إرث عشر سنوات من رئاسة توجه معين للحكومة، ومن مصلحة المغرب أن يقود الحكومة تيار غير محسوب على مرجعية أصولية أصبحت تشكل عبئا على المغاربة ومصالح المغرب الخارجية، بما فيها تحالفاته في إطار توجه نحو لعب أدوار كبرى في المحيط الإقليمي الشمال إفريقي والشرق الأوسطي، وفي المحيط الأورو متوسطي، وغيرهما من دوائر وشبكات قارية ودولية.
وسيكون درسا للعالم يقدمه المغاربة حين سيولد التناوب الجديد من صناديق الاقتراع.
الكاتب : «الاتحاد الاشتراكي» - بتاريخ : 01/09/2021