خمسون عاما عن…»النكسة»

تحل بعد غد الاثنين الذكرى الخمسون لما اصطلح عليه العرب ب»النكسة» وما يعبر عنه حقيقة التاريخ بهزيمتهم في حرب خاطفة أمام اسرائيل لم تدم سوى ستة أيام، لكنها جثمت على صدر العالم العربي ومازالت إلى اليوم. ففي هذه الحرب، تعرى واقع أمة تغنت بشعارات كونها تمتد من المحيط إلى الخليج . فيها تم احتلال ما تبقى من فلسطين، وسقطت القدس، ووصل الاحتلال الإسرائيلي إلى عتبتي دمشق والقاهرة. إنها الحرب التي تم فيها –بالفعل- إنشاء إسرائيل، وجعل كيانها يستكمل مقوماته بعد نكبة 1948 السنة التي اغتصب فيها أجزاء واسعة من فلسطين.
طيلة نصف قرن بعد الخامس من يونيو إلى اليوم، جرت مياه عربية تحت جسر الهزيمة، ولم تجرف آثارها، ولم تمحو مخلفاتها . لم يتم استرجاع كل ما تم احتلاله، إذ ها هي فلسطين مازالت ضفتها ترزح تحت الاحتلال، ممزقة إلى مستوطنات، وها هي سيناء منزوعة السلاح كتعبير عن تحييد الجيش المصري من المعركة، أما الجولان، فتم ابتلاعه، بل ولم تعد المطالبة باسترجاعه منذ زمن، خاصة في ظل الأوضاع العربية الحالية. وهذه الصورة لم تستطع حرب أكتوبر 1973 تجاوزها بالرغم من «الانتصار» الذي قيل بأنه تم تحقيقه .
خمسون سنة على الخامس من حزيران 1967 تهربت جل الدول العربية من مواجهة الهزيمة بجرأة بناء الدولة الديمقراطية، واعتقدت بأن تكديس الثكنات بالأسلحة، هو وحده علاج «النكسة»، والنتيجة : أنظمة شمولية دكتاتورية استبدادية، بعضها وجد في الوضع ذريعة لقمع أي معارضة، وبعضها اعتبر أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكثير من هذه الدول بحث عن قنوات يتواصل منها مع إسرائيل، كي يبلغها أنه يرفع راية بيضاء أمامها.
خلال الخمسة عقود هاته، لم تفتح جل الأنظمة العربية أبوابها للديمقراطية ولحقوق الإنسان، ولم تجعل من التنمية البشرية والاقتصادية والفكرية خيارا استراتيجيا . وها هي الصورة اليوم، في أكثر من ثلاثة أرباع دول هذا العالم العربي ، فإما اقتتال يأتي على البشر والأرض إبادة أو دمارا، وإما تضخم في الأجهزة العسكرية والأمنية، والبحث عن حماية خارجية، تضمن استمرار هذا النظام أو ذاك . لقد تفككت أوصال دول عربية، واختار بعضها حالة الطوارئ ظاهرة أو باطنة…
لم تعد استعادة فلسطين اليوم مطلبا جديا . فقط بيانات لجهاز اسمه الجامعة العربية يسجل ذلك كبند شكلي من بنود قمم عربية لا مصداقية لها . أما البند الحقيقي، فهو البحث عن كل سبل التطبيع مع إسرائيل، وإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية معها .
خمسون عاما ولم تتم الاستفادة من درس الهزيمة . مدة، أنتج فيها العرب أشعارا وبكائيات وشعارات، وغاب فيها الفكر والتحليل العلمي، ذو المصداقية، الذي يجيب عن أسئلة، ويسائل الأجوبة بكل جرأة وموضوعية.