دبلوماسية الابتزاز وتطلعات قارة

كثفت الجزائر من ابتزازها للاتحاد الأوروبي، وأطلقت العنان للوبياتها المتواجدة بمؤسسات هذا التجمع الإقليمي لتمارس ضغوطا على مسؤوليه، وبالتالي على عواصمه الفاعلة في اتخاذ القرارات.
وتتخذ الجزائر من ممثليتها بعاصمة الاتحاد الأوربي بروكسيل غرفة عمليات لهذا الابتزاز، ليس من أجل استقطاب مشاريع تنموية، أو دعم مبادرات اقتصادية أو إيجاد حلول لركام المشاكل التي يتخبط فيها هذا البلد المغاربي، المثقل بالديون، والمتعثر في تجارته، وفلاحته، وصناعته، المتخبط في بيرقراطية إدارته، الغارق في بحر فساد مؤسساته …
الابتزاز الذي تمتهنه الجزائر، والذي أصبح اللغة الوحيدة، التي يتحدث بها ممثلها لدى المندوبية الأوربية بالعاصمة البلجيكية، يستهدف المغرب، وملفاته، وعلاقاته، وشراكته مع الاتحاد الأوربي، ومع دوله الأعضاء . فبدل أن تشتغل دبلوماسية الجزائر على استقطاب رؤوس أموال ومقاولات، تحدث مناصب شغل لشبابها العاطل، ومشاريع تستفيد منها في مجالات الإنتاج، فإن هذه الدبلوماسية جعلت من مناوأة المغرب، والمس بوحدته الترابية المهمة الوحيدة التي تتكلف بها لدى هذا الاتحاد، ولدى برلمانه، ومفوضياته…
الجزائر تستعمل في ابتزازها هذا، صنيعتها البوليساريو، الكيان الذي جعلت منه -وطيلة أربعين سنة منازعة المغرب في أقاليمه الجنوبية، تحمله في حقائبها الدبلوماسية، تخوض معارك من أجل إدخاله لقاعات المؤتمرات،وعضوية المنظمات الدولية والإقليمية، ليس لأنه قيمة في بلورة أهداف هذه المنظمات، بل لأنه وسيلة لمواجهة المغرب، وخدمة لنواياها الإقليمية …
المثير أن الجزائر ،التي تجعل في معركتها هاته قضايا شعبها ثانوية في علاقاتها الدولية ، تضحي بأولويات قارة، هي افريقيا، وبتنميتها، وبملفاتها الاستراتيجية .
والمثير كذلك – وإن حصدت الهزيمة تلو الهزيمة في عملياتها الابتزازية، تصر على نهج نفس الأسلوب والابتزاز . وهاهي بعد فشلها في القمة الافريقية العربية والقمة الافريقية- اليابانية، تعمل جاهدة لإعادة الكرة في القمة الافريقية الأوربية، المقرر عقدها بالعاصمة الاقتصادية للكوت ديفوار أبيدجان نهايةَ شهر نونبر القادم ، وهي القمة الخامسة من نوعها، الثالثة التي تعقد بافريقيا والأولى التي تحضنها دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى.
هدف القمة الايفوارية، مناقشةُ مستقبل العلاقات بين قارتين متشاطئتين للبحر الأبيض المتوسط، المجال الذي يختزن تاريخا عميقا لهذه العلاقة، خاصة فيما يتعلق بملفات التنمية والهجرة والاستقرار . هي إذن،قمة البحث عن صياغة استراتيجية منصفة بين طرفين تجمع بينهما شراكة ذات أبعاد متعددة سيكون من بين مداخلها تقييمُ مخطط العمل، الذي أقرته قمة بروكسيل في سنة 2014.
لكن هدف الجزائر، أن تقحم صنيعتها الجمهورية الوهمية في هذه القمة ، ليس مراعاة لسكان الصحراء الذين تفرض على جزء منهم متواجد فوق ترابها، يجابه ظروفا قاسية، سكنا وغذاء وصحة وتعليما …بل لأنها ترى في هذا الإقحام نصرا لدبلوماسيتها الابتزازية . وماهو في الحقيقة سوى تبذير لزمن ومجهود على حساب مصالح الشعب الجزائري الذي يرزح تحت وطأة مشاكل تستفحل سنة بعد سنة، خاصة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية …
إن المغرب الذي ينسج علاقات وطيدة ثنائية ومتعددة الأطراف مع بلدان القارة الافريقية، يجعل من قضيته الوطنية أولوية أولوياته،وإن عواصم القارة السمراء لتعرف جيدا دبلوماسية الابتزاز التي تنهجها الجزائر، وتعي -اليوم وأكثر من أي وقت مضى- أن النزاع الذي افتعله حكام جارتنا الشرقية، إن هو إلا نزاع من أجل مصالح ضيقة، ولا يستند إلى المبادئ التي تعزز علاقات الشعوب الافريقية فيما بينها، بل أنهك القارة، وعرقل إنجاز تطلعاتها …ودون شك، فإن قمة ابيدجان ستكون محطة جديدة لفضح نوايا نظام يدور في حلقة مفرغة، ولايعرف سوى لغة الابتزاز.