دور الفاعل السياسي الآن…

الاتحاد الاشتراكي

أصبح من المسلم به، بقوة المنطوق الملكي في الخطاب الأخير، أن المرحلة التي سنقدم عليها «مرحلة قاسية»، تستوجب حلولا جذرية وتعبئة قصوى.
وهو ما يطرح على الفاعل السياسي، بكل ألوان الطيف والمواقع فيه، التفكير من هذه الزاوية الجديدة، التي تستوجبها قساوة المستقبل.
والاتحاد، الذي ظل يردد، طوال الجائحة وما مر منها من فصول، أن الأوضاع الصعبة لم تصبح وراء ظهورنا، أو يمكن أن تصير كذلك في المنظور من الأيام، يجد أن تقديره الصائب يفرض عليه أن يثابر، كما اعتاده المغاربة في إعلان الحقائق التي تستوجبها المرحلة، حالا ومستقبلا.
وفي هذا المضمار، يدرك الرأي العام الوطني، أن الخطابات الملكية، ومنها خطاب العرش الأخير، تكون ذات توجهات عامة، وهي خطب تحمل المبادئ السامية والمثلى، وتضع المعالم التي تفترضها أو تفرضها السياسة العمومية في كل مرحلة مرحلة، في حين يكون على الفاعل السياسي أن يحدد أساليب العمل المؤسساتية، وكيفية اتخاذ أسباب تفعيل هذه التوجهات، وتطبيقها وهندسة أولوياتها التنفيذية.
ومن هنا، سيكون من البدهي أن نسأل: ماذا ستختار النخبة الوطنية، وفي قلبها الفاعل السياسي، هل ستركن إلى الوسائل التقليدية المعتادة، في توفير الشرط المالي والمادي لتفعيل الخطة الملكية للخمس سنوات القادمة، أم ستجنح للابتكار والإبداع والجرأة في وسائل التفعيل؟
سننتظر الجواب، غير أنه كان من الأجدى بالنسبة للحكومة، باعتبارها المعنية الأولى في الظرف الحالي، وهي مؤسساتيا التجسيد المغربي للنخبة صاحبة القرار، أن تسارع إلى جمع أغلبيتها، وسندها السياسي والتشريعي والمؤسساتي، من أجل بناء منطق واحد في التفاعل مع الإرادة الملكية، وبناء الجواب الذي يستوجبه الأمر.
وإلى حد الساعة، ما زال الإيقاع الذي يحكم مبادرة من هذا النوع، لا يستحضر استعجالية الظرفية ولا صعوبتها ولا جدواها السياسية.
إن خطوة مثل هذه، تعبر بالفعل عن وعي بجسامة المهمة المنتظرة، والتي تتجاوز كل ما عرفناه في العشرين سنة الماضية.
فنحن أمام منعطف حاسم، يستوجب تعاقدا وطنيا واسعا، بالتعبير الملكي السامي، كما يتطلب تعبئة وطنية تتجاوز السقف الذاتي لكل حزب وكل منظمة وكل هدف سياسي يخدم المشاريع الذاتية للتمثيليات السياسية في البلاد.
إلى جانب الإبداع في المبادرات السياسية، هناك حاجة ملحة إلى الإبداع في وسائل مضاعفة موارد الدولة، من أجل تمويل صندوق الاستثمار الاستراتيجي، وضمان التغطية المالية لاستراتيجية الدولة الاجتماعية.
وإذا كان المغرب، قد نجح في توفير صندوق كوفيد لمواجهة سريعة واستباقية للوباء في فصله الأول فإن المجهود المطلوب الآن، مختلف عنه في الطبيعة وفي الدرجة:
من حيث الدرجة فإن المبلغ يساوي أربعة أضعاف الصندوق الأول لكورونا، ومن حيث الطبيعة، فهو لا يستند، حصريا، إلى الروح التطوعية المباركة للمساهمين، بل يندرج في إطار تدبير الدولة لمواردها وضرورة التفكير فيها من زاوية جديدة…
وهنا، لا بد من التسليم الجماعي، بأنه لا يمكن الاكتفاء بالموارد العادية والإجراءات المستهلكة، حيث يكون المخرج الاقتراضي، وتوظيف فائض السيولة البنكية وتقليم الميزانيات وتحويل بنودها، هو الغالب على الخطوات المالية المعتادة.
وبالنسبة للاتحاد، فقد سبق له، في باب توسيع وعاء الموارد المالية، أن تقدم بعروض عملية بشأنها ثلاث مرات على الأقل، سواء عند تقديم مقترحاته للنموذج التنموي الجديد أو عند بسط الكاتب الأول لأرضية مواجهة الجائحة، أو عند تفصيل المقترح الخاص بقانون المالية التعديلي.. وهي مقترحات متوفرة وتفاعلت معها أوساط الرأي العام، من كل فئات الشعب المغربي، كما أن جزءا منها وصل إلى قبة البرلمان، وسيصل الباقي في الدورات القادمة.
إن ما يريده الاتحاد، ويعبر عنه، كمتطلب لتأمين الخروج من الظروف الحالية والقدرة على مواجهة قساوة المستقبل، هو أن يقوم الفاعل السياسي، من كل موقع، بما يستوجبه التجاوب الواسع مع الإرادة الملكية، والإعلان عن نواياه وعن خطته لطمأنة الرأي العام الوطني بأنه يعرف بالفعل ما تستدعيه الخارطة الملكية، بما يفوق المقاربة التقنية، مهما كانت درجة صوابها ودقتها.
ولعل الجواب الذي تم تقديمه إلى حد الساعة، من بوابة المالية، لا يخرج، للأسف، عن المسالك التقليدية، المرتكزة على الاقتراضين الخارجي والداخلي، الشيء الذي يحد من هوامش المبادرة إن لم نقل إنه يعطي الانطباع بأن الظرف الاستثنائي لم يفرض معالجة استثنائية بالرغم من كل المبررات المعقولة الداعية إلى ذلك.
وفي قلب هذه الخارطة، ضمان السلامة للضعفاء من الأمة، مع توفير شروط الإقلاع وعودة الآلة الاقتصادية بقوة وبشكل كامل.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 06/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *