شجرة الموصل وغابة العالم العربي

الاتحاد الاشتراكي
بات من شبة المؤكد أن «معركة الموصل « ستضع أوزارها بعد أيام باندحار «داعش». معركة شرسة دامت ثلاث سنوات، واحدة منها شارك فيها تحالف دولي من أجل استعادة ثاني مدينة بهذا البلد بعد العاصمة بغداد. معركة ضد تنظيم أعلن في سنة 2014 ومن الجامع الكبير تأسيسه لما أسماه « الدولة الاسلامية بالعراق والشام» (داعش)، التي جمعت من كل بقاع العالم أشخاصا، العديد منهم من محترفي الجريمة المنظمة، والعديد منهم من تم استدراجهم بشعارات، واستقطابهم بإغراءات، وحشدهم كوقود لهذا التنظيم الإرهابي.
لهذه المعركة نتائج كما لها دروس ، ولها تداعيات كما لها حقائق .لقد دمرت أجمل مدن بلاد الرافدين وأحالتها إلى خراب .وأزهقت أرواح عشرات الآلآف من سكانها، ودفعت بمئات الآلآف إلى النزوح، وحولت شوارعها إلى جثث متناثرة متعفنة … لم تعش مدينة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية ما عاشته الموصل.
توج إعلان دولة داعش مسارا استهدف إضعاف العراق وتمزيقه طائفيا، وتفكيكه مجاليا، حتى أصبح بلدا مصابا بداء الهشاشة، يعيش على إيقاع الانفجارات التي تقتل الناس بالجملة في الأسواق والمساجد والتجمعات السكنية، وتتطاحن قواه السياسية حول الاستحواذ على مؤسساته ومناطقه الاقتصادية …واتضح أن « شحنة الديمقراطية» التي وعدت أمريكا بأنها ستجلبها للشعب العراقي، لم تكن في الحقيقة إلا شحنة ملغومة لتفجير بلد، وضبط إيقاعه اليومي على الدماء والفواجع. نعم كان العراق بحاجة إلى ديمقراطية تخلصه من نظام الحزب الواحد، وسطوة المخابرات، لكن هذا الشعب وجد نفسه في حالة رعب دائمة، يترصده القتل بباب مسكنه بل في غرف نومه، يتمنى أن يتوفى جثة هامدة وليس أشلاء متناثرة .
في هذا الجسد الهش، تم زرع داعش، كما زرعت القاعدة في افغانستان بعد إنهاكها ب»المجاهدين» . وكما هو الشأن بالنسبة لسوريا وليبيا … نفس السيناريو، ونفس المخطط، يتم تنفيذه بدول لها مكانة استراتيجية موقعا أو بترولا … هو مخطط لتخريب دول يختبئ تحت شعارات عدة، ويوظف إمكانيات إعلامية ضخمة ابتداء من مواقع التواصل الاجتماع إلى فبركة الصور والأشرطة وتزييف الحقائق.
إن كل بؤر صراع بالمنطقة العربية اليوم، هي معارك مصالح إقليمية ودولية.وكل فصيل بهذه المعارك، يخوض حربا بالنيابة عن عاصمة هنا أو هناك ضد بقية الفصائل .وكل فصيل يبحث له عن رداء يرتديه ويتمترس وراءه قد يكون لبوسا يدعي الدين أو الديمقراطية أو الهوية، لكنها مجرد ادعاءات لخدمة أجندة ما… وكل هذه الأجندات استغلت ولا تزال حاجة الشعوب إلى التحرر وبناء ديمقراطية حقيقية ومؤسسات قوية ذات مصداقية ونصبت عليها وسرقت آمالها لتحولها إلى آلام ومآس ونكبات.
في معركة الموصل يطرح التساؤل : من أين لداعش هذا العتاد العسكري، وهذا التمويل، وهذا اللوجيستيك والخبرة ؟ كيف له أن يصمد إذا لم تكن شرايينه تتغذى من قوى خارجية، وتؤمن له طرق الإمدادات، وتوفر له خرائط المعارك؟؟إن الموصل ماهي إلا تلك الشجرة التي تخفي غابة مخططات تستهدف دولا عدة .
إن معركة الموصل كما هي معارك سوريا واليمن وليبيا، تؤكد أن هناك مؤامرة لتمزيق دول، وإضعافها، وجعلها سوقا للسلاح، والتحكم في مواردها الطبيعية، وتخريب مدنها، والدفع بشعوبها إلى النزوح الجماعي … إنها طريق نحو الكارثة ما لم تكن الشعوب هي المتحكمة في مصائرها بوعي واستقلالية وتبصر.
الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 01/07/2017