قطاع التعليم وخارطة الطريق الجديدة

شرعت وزارة التربية الوطنية ومنذ أسابيع في إعداد ترتيبات إدارية تنظيمية ولوجيستيكية استعدادا للموسم الدراسي المقبل. واستقبلت الأكاديميات عددا من المذكرات الوزارية، تبين جوانب من خارطة الطريق التي يرسمها الوزير الجديد القادم من الإدارة الترابية، والحامل معه تجارب في قطاعات استراتيجية.
ونسجل في سياق هذه الترتيبات، إيجابية الإجراءات المعلن عنها، ومنها العمل على حل مشكل الاكتظاظ الذي يعد جحيما لايطاق بالنسبة للأساتذة والتلاميذ وآبائهم على السواء لتأثيره المباشر على العملية التعليمية في شقها الاستيعابي وكذا للظواهر والسلوكات السلبية التي يفرزها هذا الاكتظاظ ، كما نسجل أهمية التسجيل المبكر قبل انتهاء السنة الدراسية لما لذلك من مردودية على الزمن التعليمي، حيث أبانت التجربة السابقة، والتي امتدت لعقود عن أن الموسم يبذر حوالي شهر في هذه العملية الادارية، كما أن الاهتمام باللغات في المرحلة الابتدائية ومن سنواتها الأولى، سيساعد على التمكن المعرفي للتلاميذ…
لكن هذه الإجراءات والمذكرات، التي اهتمت حتى بالهندام، لن تكون ذات جدوى ما لم تعالج بكل جرأة مكامن الخلل الحقيقي لمنظومتنا التعليمية .
ولقد أبرزت تقارير نشرت في الآونة الأخيرة جوانب من هذه الاختلالات .
ويكفي أن نشير إلى ما أورده المجلس الأعلى للحسابات، بالرغم من أنه انصب على الموسم الماضي لكنه يفضح المواسم التي قبله . يقول المجلس بأن هناك أقساما مكتظة يتكدس فيها 38 بالمئة من مجموع التلاميذ، داخل أقسام يفوق عددها 49 ألف قسم .وهناك خصاص على مستوى هيئة التدريس مجموعه 16700 مدرس . ونسبة الهدر المدرسي والانقطاع على الدراسة مرتفعان، إذ طالت هذه السنة 218 ألف تلميذ، أي 4 بالمئة من مجموع التلاميذ، نصفهم من السلك الثانوي الإعدادي، كما أن هناك ضعفا للتخطيط المدرسي، وعدم احترام عدد ساعات التدريس النظامية . .
وتقريرالمجلس الأعلى للحسابات، يعد امتدادا للتقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين قبله بأسابيع، ورصد فيه أن هناك اختلالات فظيعة في مجالات التربية على القيم بالمدرسة المغربية، أبرزها التفاوت بل الهوة السحيقة بين أهداف البرنامج الدراسي وواقع الممارسة التربوية، حيث خلص إلى أن المضامين والوثائق المرجعية المقدمة للتلاميذ، لا تتلاءم ولا تواكب التشريعات والمستجدات المؤسساتية والمعرفية الحاصلة في بلادنا وعلى الصعيد الدولي، وأن هناك تناقضات وتعارضات جمة بين مقررات ومواد دراسية، تؤدي إلى تضارب في التمثلات واتجاهات السلوك لدى المتعلم…
إذن نحن اليوم بحاجة إلى إجراءات تنصب على المضمون، أي أن ننتج تلميذا في مستوى العصر، وطالبا في قيمة التطور العلمي والمعرفي، تعليما مرتبطا بسوق الشغل، لا أن تُعد لنا كل سنة أفواج من العاطلين بلا أفق ولا قيمة مضافة في النسيج الاقتصادي والتنموي، وأن يتم تأطير المنظومة التعليمية بعنصر بشري كفؤ ومؤهل فكريا وبيداغوجيا .
اليوم المغرب بحاجة لإعادة الاعتبار إلى مدرسته العمومية، لا أن يقدم كل التسهيلات والامتيازات للقطاع الخاص، الذي أصبح يمارس جشعه على الأسر، وينسف قدراتها الشرائية.
إن أملا كبيرا يحدونا في أن يتوفق المغرب في معالجة أمراض تعليمه الحقيقية ، لأن التعليم هو مدخل كل تقدم وتحديث .
صحيح أن الإجراءات الإدارية واللوجيستيكية لها أهميتها، لكن المضامين والاستراتيجيات وآلات الإنتاج، لها الأهمية القصوى. ونتمنى أن تكسب بلادنا هذا الرهان.