مِئوية السي عبد الرحيم بوعبيد

الاتحاد الاشتراكي
أعلنت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بمناسبة انعقاد المجلس الوطني للحزب، عن قرار تخليد الذكرى المئوية للفقيد الكبير عبد الرحيم بوعبيد، القائد التاريخي التقدمي الوطني الديموقراطي الفريد.
وقد اكتسى هذا الإعلان قوة رمزية عالية لتزامنه مع التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة والفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وعمر بنجلون، وهو ما يعد عربون امتنان لهذا القائد الذي استطاع أن يحافظ على الحزب، سليل حركة التحرير الشعبية ورأس الحربة في تمنيع الوطنية المكافحة وطليعة النضال الديموقراطي في مغرب ما بعد الاستقلال..لقد تجاوبت إرادة القيادة الاتحادية مع لحظة فارقة في تاريخ الحزب، حيث أن الطلب على الذاكرة حاجة يستشعرها المناضلون في سياق الوفاء والارتباط الدائمين بقِيم وقناعات وأسس المدرسة الاتحادية، وهنا، لا بد من أن نشير، بدون التباس أو وجل، إلى أن العاطفة والتاريخ معا يسندان هذا القرار، لوعي الاتحاديات والاتحاديين بأن الواحد منهما لا يلغي الآخر…
لقد بينت سيرته، أن السي عبد الرحيم نجح في أن يجعل من التاريخ محاوَرا له باستمرار، هو الذي انتمى إلى جدليته بكل العنفوان. وقد ظل كذلك إلى آخر لحظات حياته، وقد شاهدناه وهو يوصي بحكمته المعهودة بالانتباه إلى ما يراه التاريخ حيث قال في آخر وصية له: من السهل أن يقول البعض إن التاريخ قال كلمته وانتهى الأمر، ولكني أعتقد أن التاريخ قال كلمته في مرحلة من المراحل، وسيظل يقول كلمته في مراحل متوالية من الوجود البشري«.. ففي الوقت الذي كان آخرون يبشرون العالم بنهاية التاريخ كان يعرف بأنه سيجد مكانا له في كل الحياة البشرية مستقبلا.
ففي سيرة عبد الرحيم بوعبيد ما يجعل القائد الاتحادي دائم الحضور في أدبيات القرن الذي عبَره بشموخ، وفي بداية القرن الذي تلاه، بتأثيره الذي لا يخفى على المغرب السياسي، بما وضعه من مساهمات لتشييد معالم لمدرسة اتحادية متميزة في البلاد وفي المحيط العربي الإسلامي وفي ما كان يسمى بالعالم الثالث برمته.
من دروب سلا إلى سجون البلاد، مستعمرةً كانت أو مستقلةً، إلى أروقة المفاوضات التحررية إلى مقطورة التدبير الحكومي في بداية الاستقلال، إلى منابر المعارضة المؤسساتية إلى منصات الطبقة العاملة، استطاع عبد الرحيم رسم وجه شخصيًّ لا ينمحي للوطنية المغربية التقدمية الديموقراطية..
نحن أمام ذكرى مئوية لرجل يتقاطع في سيرته الفردي بالجماعي، القَدَري بالإرادي والتاريخي باليومي، السياسي بالفكري.. إلخ، ذكرى لإعادة الاعتبار لكل ما هو رمزي في السياسة..
إن قرار القيادة الذي أعلن عنه الكاتب الأول إدريس لشكر في المجلس الوطني يرمي إلى استشعار ضرورة مواصلة إعادة بناء وهيكلة مستقبل المدرسة التي ساهم الفقيد في تشييدها وركَّز دعائمها بتأهيل رمزيتها كلها بقوتها وقيمتها الخاصتين.
وإلى استشعار استناد الاتحاد إلى فكرة دائمة في الزمان والمكان في قلب النضال الوطني الديموقراطي..
رجل عبَر القرن الذي عشناه معه وودعنا معه.. رمزا لاعتزاز لا ينتهي، في مسيرة لا تنتهي…
إنها مئوية ترفع من قيمة الانحياز إلى الذاكرة المشتركة لكل الاتحاديات والاتحاديين وأيضا لكل الديموقراطيين أنصار الواقعية النظيفة والصلابة الفكرية والأخلاقية المرتبطة بالمرونة في الحوار والعمل والتدبير…
المئوية في الرسالة الآنية والمستقبلية هي بصمة الديمومة التاريخية التي نسجل فيها تراثنا النضالي، والحاجة إلى التماهي الدينامي والمتجدد مع التراث المتجدد والصورة الكاريزمية، فكريا وشخصيا معا، لـ»سى عبد الرحيم«..الذي لم يسجل عليه تاريخ الحركة التقدمية أنه ترك السفينة تغرق أو انسحب للتمتع بقيلولة نضالية« إلى أن تمر العواصف.
ولقد كان الفقيد الكبير عبد الرحمن اليوسفي موفقا للغاية وكعادته عندما أبَّنه بالكلمات التالية: «رغم كل الصعاب الموضوعية ،والمحن الكثيرة، وانعدام الوسائل المناسبة، تمكنت، بالتعاون مع إخوانك الأوفياء من تكوين حزب تقدمي مؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية»…
هي مئوية لاحتفال بَعْديٍّ، بما تحقق من أحلام هذا الوطني الديموقراطي التقدمي الكبير لتحضير شروط قيام الديموقراطية والعدالة الاجتماعية طيلة عمر كامل بتنمية الوعي الديمقراطي داخل الحزب ولدى عامة المواطنين ..ومئوية للاحتفاء بـ «النتيجة الكبرى والتاريخية التي أفرزتها مدرسة عبد الرحيم بوعبيد، مدرسة الصمود الشجاع للدفاع عن القيم، مدرسة تكوين المواطن الصالح المتفاني في خدمة الصالح العام من خلال مؤسسات دستورية حقيقية وسليمة»..
مئوية، لتخليد قائد سياسي وطني جعل من الدفاع عن الوطنية المغربية، في القرار الاقتصادي كما في القرار الترابي عقيدة لا تتزحزح، وثابتا لا يهتز، والمناسبة شرط في الاعتراف للسي عبد الرحيم بصلابته الوطنية، وهي تتحول إلى شعار وطني يتحقق حوله الإجماع، من باب تثبيت السيادة كشرط في تعامل بلادنا مع كل الأطراف الدوليين، مئوية لترصيد الانتصارات التي حققتها بلادنا بفضل القيادة المتبصرة لجلالة الملك.
هي مئوية بإشارة واضحة مفادها أن السي عبد الرحيم بوعبيد ليس رمزا »فوريا«، من طينة الرموز التي تصنعها الأحداث أو الإعلام أو حتى جيل من الأجيال قبل أن تنساها أو تنتهي مع الأجيال التي تلتها، بل هو عمق تاريخي متواصل مِلْك للأمة جمعاء وحياة غير قابلة للخوصصة، لا جماعيا ولا فرديا.
الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 25/12/2021