احتجاجات فكيك في ميزان دولة الحق والقانون…
الاتحاد الاشتراكي
الأخبار القادمة من مدينة فكيك والاحتجاجات السلمية التي أوشكت على إتمام شهرها الرابع، لا يمكن اختزالها في جزئية بسيطة، رغم أهميتها، تطالب بالحق في إبقاء الماء كخدمة عمومية واجتماعية في منطقة لا تخفى حساسيتها الحدودية والبيئية والسياسية، بل يجب التعامل معها في إطار بانورامي للمشهد السياسي والاجتماعي ببلادنا في ظل إصرار الحكومة الثّلاثيّة، ليس على إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين فحسب، بل على إضعاف المؤسسات المنتخبة والتشكيك في مصداقيتها وتهميش أدوار المعارضة، بتمرير قرارات فوقية تضرب في العمق الأسس الديمقراطية التي اختار المغرب رفع مكانتها إلى مستوى الثوابت الوطنية في دستور 2011. فما وقع يعتبر منافيا للديمقراطية فليس هناك ما هو أهم من الماء في الحياة، والمواطنون يطالبون بإبقائه ضمن دائرة الخدمة العمومية والاختصاصات الذاتية للمجلس، وعدم تسليعه وتفويته لشركة مساهمة، قد تتحول 90% من أسهمها في أي لحظة إلى ملكية خاصة، تخضع لمنطق الربح وليس لمنطق الخدمة العمومية. وهو ما يجعل شعار «الحكومة الاجتماعية» رماداً تذروه رياح الشعبوية ولا يصمد أمام واقع التخلي التدريجي عن الخدمات الأساسية المكتسبة.
إنّ النقطة التي أفاضت الكأس هي الانقلاب المفاجئ الذي حدث في موقف المجلس الجماعي، يوم فاتح نونبر 2023، فبعد أن صوت في دورة 26 أكتوبر 2023 بالإجماع ضد قرار الانضمام لمجموعة الجماعات الترابية بجهة الشرق، وبالتالي رفض بالإجماع تفويت مرفق الماء إلى «شركة الشرق للتوزيع»، عاد ليُصوّت «بمن حضر»، في غياب النصاب القانوني لعقد الدورة، على تفويت توزيع الماء للشركة.
هذا التحول المفاجئ، يعارض المبادئ الدستورية الأساسية في فصل السلط واحترام الاختصاصات القانونية للمجالس المنتخبة، ويتعارض مع مبدأ التدبير الحُرّ الذي يُخول لكل جماعة ترابية سلطة التداول بكيفية ديمقراطية ويخوّلها سلطة تنفيذ مُقرراتها، كما تنص عليه المادة الثانية من قانون التنظيم الجماعي 14-113. وهو ما يطرح سؤال الجدوى من وجود مجالس منتخبة إذا كانت قراراتها ومقرراتها ستلغى بأمر من سلطة الوصاية.
وبالعودة إلى إلغاء المقرر الأول الذي اتخذ بالإجماع، نَلفت انتباه من يهمه الأمر إلى أنّ القانون التنظيمي للجماعات كان واضحاً حين أكدّ في المادة 63 منه، على أنّ القضاء الإداري هو المخول وحده بإيقاف تنفيذ المقررات التي قد تشوبها عيوب قانونية. ويأتي المشرع في المادة 117 من نفس القانون ليؤكد على أنّ دور عامل الإقليم أو العمالة يتوقف عند التّعرض على «المقررات التي لا تدخل في صلاحيات مجلس الجماعة، أو التي تشكل خرقاً للقانون».
والحال أنّ مقرر 26 أكتوبر المتخذ بالإجماع، يتعلق بموضوع يدخل ضمن الاختصاصات الذاتية للمجلس الجماعي المنصوص عليها بنص القانون التنظيمي نفسه، وتمت برمجته في جدول الأعمال بتأشير من عامل الإقليم كما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل. وبالتالي فالتعرض غير ذي موضوع ولا يدخل في إطار ما يسمح به القانون.
كما أنّ النقطة المُدرَجة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية لفاتح نونبر 2023، لم تُعرض على اللجنة الدائمة المختصة، وهو خرق لمقتضيات المادة 28 من القانون التنظيمي للجماعات. أضف إلى ذلك أنّ الدورة الاستثنائية التي انعقدت يوم فاتح نونبر، كانت مغلقة في وجه المواطنين، ضداً على أحكام المادة 48 من نفس القانون، وهو إجراء يتنافى مرّة أخرى مع المبادئ الدستورية المتعلقة بالحكامة وإشراك الساكنة والحق في الوصول إلى المعلومة الموجودة لدى المجالس المنتخبة كما ينص عليه الفصل 27 من دستور المملكة. وأخيراً وليس آخراً، لم يتم تعليق المُقرر المطعون فيه، بمقر الجماعة داخل أجل الثمانية أيام من تاريخ التصويت عليه، وهو خرق آخر للمادة 273 من القانون التنظيمي أعلاه.
وبناء على ما تقدم، وبالنظر إلى الخروقات المِسطريّة والقانونية والدستورية المُشار إليها آنفاً، وحرصاً منّا على حماية مكتسبات بلادنا كدولة قطعت أشواطاً بعيدة في إحقاق دولة الحق والقانون تحت قيادة عاهل البلاد، ورغبة منا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إيجاد مخرج للأزمة الحالية، ينبغي أولاً وقبل كل شيء إعادة الاعتبار لدولة القانون من خلال إبطال مقرر فاتح نونبر المطعون في قانونيته، ومن ثمّ فتح المجال لعقد دورة استثنائية جديدة كما يطالب بذلك ثمانية مستشارين منذ بداية الأزمة الحالية.
ويحدونا الأمل بأنّ تصحيح الوضع القانوني سيساهم في تعزيز هيبة دولة الحق والقانون، كما سيرسل إشارة إيجابية تعيد الثقة للمواطنين في مؤسساتهم المنتخبة، ويسمح بعودة المحتجين والمحتجات إلى بيوتهم محفوظي الكرامة في هذه المدينة التي عُرف أهلها بالوطنية الصادقة والتشبث بالثوابت الدستورية ومساهمتهم في بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.
الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 02/03/2024