الاتحاد الاشتراكي والمسألة النسائية

الاتحاد الاشتراكي

لقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في طليعة الحركات التقدمية بالمنطقة التي أولت اهتماما خاصا ومتفردا للقضية النسائية، كان ذلك في زمن تعتبر فيه التنظيمات اليسارية أن قضايا تحرر النساء ستجد علاجها تلقائيا حين يتم الانتقال من الأنظمة الرأسمالية إلى النظام الاشتراكي.
لم يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم مرجعيته الاشتراكية الديموقراطية أن حقوق النساء يجب أن تنتظر لحين إنجاز ما كان يسميه اليساريون بالمهام الثورية المستعجلة.
بالعكس من ذلك، كان الاتحاد الاشتراكي ومازال يعتبر أنه لا تغيير ولا إصلاح يمكن أن يتم إنجازه من دون مشاركة النساء سواء في معارك الديموقراطية أو معارك المساواة الكاملة.
ذلك أنه لا انفصال بين دمقرطة الدولة وبين دمقرطة المجتمع.
وأن أي مجتمع ما زالت تعشش فيه الخرافة، ويعيد إنتاج التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو العرق، لا يمكنه أن ينجح في أي فعل تغييري إلا إذا كان في اتجاه هدم بنى محافظة قائمة، ولكن عبر استبدالها ببنى أخرى محافظة، وقد تكون أشد تطرفا ويمينية.
ولذلك كانت حقوق النساء سواء المدنية والسياسية، أو الاقتصادية والاجتماعية، من أولويات مطالب الحركة الاتحادية، وكان ذلك مترافقا مع فتح القنوات التنظيمية الحزبية أمام النساء.
وكان من ثمار ذلك أن كان الاتحاد الاشتراكي الفاعل الرئيس في معارك المساواة والإنصاف، وكان بسبب ذلك هدفا لتهجمات قوى الإسلام اليساري وفقهاء الوهابية والتشدد.
وتكفي محطتا معركة الدعوة لتغيير مدونة الأحوال الشخصية في عهد المرحوم الحسن الثاني، ثم معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، باعتبارهما علامتين فارقتين على مساهمة الحزب ونسائه من جهة، وعلى ما تعرض له مناضلوه من حملات تشويه وقذف وتكفير، وخصوصا قياديات الحزب ومناضلاته، حتى اللواتي كن مرحلتئذ في الأنوية الشبيبية.
ولذلك يستغرب الاتحاديون والاتحاديات حين تحاول بعض الجهات التعمية على مجهودات وكفاح الاتحاديات منذ تأسيس الحركة الاتحادية، واللواتي ناضلن في ظروف صعبة سواء من حيث سيادة القمع وتعميمه في أزمنة الجمر والرصاص، أو حين كانت التعبيرات المتطرفة داخل حركات الإسلام السياسي تتلقى دعما خارجيا وداخليا من أجل محاصرة الفكر التقدمي الحداثي النقدي.
وفي مقابل التعمية على الإرث الباذخ من التضحيات والأدبيات والمعارك، يتم الإعلاء من مساهمات أخريات لم يلتحقن بالحزب وبالنضال الديموقراطي إلا بعد أن انتزعت المناضلات النسائيات مكاسب من قبيل مدونة الأسرة أو الكوطا الانتخابية أو وصول النساء إلى مواقع المسؤولية في قطاعات حساسة، فجنين ثمار معارك لم يساهمن فيها.
واليوم يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن ثمة تراكمات إيجابية قد حصلت على مستوى الحقوق المدنية والسياسية للنساء.
طبعا، فإن ما تحقق لا يعني أنه المأمول، فثمة ثغرات حتى في النصوص القانونية التي تعتبر مكاسب من قبيل مدونة الأسرة والقوانين الانتخابية، وثمة كذلك وجود مقاومات داخل الإدارات العمومية والشركات الكبرى، وحتى داخل التنظيمات الحزبية، مقاومات مدفوعة بفكر ذكوري لم يتقبل التغييرات القيمية والاجتماعية التي غيرت كثيرا من صورة المرأة في المجتمع ومن أدوارها وحضورها بالتبعية.
ولكن يجب أن ننتبه أنه في النضال من أجل حقوق النساء، كان هناك تغليب للحقوق المدنية والسياسية، مقارنة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لاعتبارات ذاتية وموضوعية.
لقد حصلت تراكمات كبيرة في ما يخص ولوج النساء للعمل السياسي ولمواقع المسؤولية، كما حصلت اختراقات على مستوى الحقوق والحريات الفردية، وإن كان سقف المطالب هو أعلى مما تحقق.
واليوم، وبالنظر لظرفية الأزمة الاقتصادية التي يمر منها البلد، والتي هي أزمة مركبة، فجزء منها مرتبط بسياقات خارجية دولية من قبيل تداعيات جائحة كورونا، والاضطرابات الجيوسياسية، وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت والمحروقات في السوق العالمية، كما جزء آخر مرتبط بقلة التساقطات المطرية هذه السنة، وكذلك بغياب أي تدابير استباقية من طرف الحكومة لتطويق تمدد الأزمة، نتيجة غياب تصورات واضحة لها، ويكفي قانون المالية للدلالة على غياب الإبداع من جهة، والفشل في تنزيل مخرجات تقرير لجنة النموذج التنموي، حتى في تدابيره التأسيسية.
إن النساء سيكن في مقدمة الفئات الاجتماعية التي ستدفع فاتورة هذه الأزمة، والتجارب السابقة، وآخرها مرحلة الحجر الصحي الشامل، والتي بينت أن النساء كن الخاسرات الأكبر، سواء من حيث فقدان مناصب الشغل، رغم أن أغلبها في قطاعات هشة أو في القطاع غير المهيكل، أو من حيث ازدياد نسب العنف والتمييز والممارسات الحاطة من الكرامة في حقهن.
ونحن نخلد اليوم الأممي للنساء، يجدر أن نثير الانتباه إلى الوضعيات الكارثية التي تعيشها نساء البوادي، والنساء في مجتمعات الرحل، والعاملات الزراعيات، والطبقة العاملة النسائية، والنساء المهاجرات في بلدنا سواء اللواتي يحزن بطائق الإقامة، أو اللواتي في وضعية قانونية غير سليمة والمحرومات من مجموعة من الخدمات الأساسية، خصوصا المقيمات في مخيمات عشوائية قريبا من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من مرجعيته الديموقراطية الاجتماعية، وانطلاقا من التوجيهات الملكية التي تشكل خارطة طريق نحو الدولة الاجتماعية القوية المتضامنة يعتبر أن الحكومة لا تمتلك أي منظور لإدماج حقوق النساء ومطالبهن ضمن ورش التحول نحو الدولة الاجتماعية، وللأسف فإن أغلب أعضائها يبدون وكأنهم في انفصال تام عما يمور في قاع المجتمع من أوضاع هشاشة وإقصاء وتفقير، وللأسف تظل النساء هن الضحية الأولى لهذه الهشاشة المجتمعية.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 08/03/2022

التعليقات مغلقة.