التحدي في الشكل وفي الجوهر 2/2

«الاتحاد الاشتراكي»

 

بلور العقل الجماعي الاتحادي وثيقة سياسية وأخرى تنظيمية ليتطارحها المؤتمرون والمؤتمرات في المؤتمر الحادي عشر، الذي ينطلق يومه الجمعة 28 يناير.
وقد تفاعل الحزب، باعتباره مثقفا جماعيا في الأدبيات السوسيو/ديموقراطية، مع تطورات الوضع، داخليا وخارجيا، في سعي عقلاني مسؤول لطرح الأسئلة المناسبة في الزمن المناسب، مع السعي إلى تقديم الأجوبة المناسبة في الشرطية المناسبة من المرحلة.
وقد استند الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يجدد أجوبته على الأسئلة التي استجدت في الواقع، على ثوابت إعمال الفكر، من زاوية التحليل الملموس للواقع الملموس، وهو المستند الذي أبدعه منذ انطلاق مسيرته الجديدة ابتداء من المؤتمر الاستثنائي سنة 1975.
وقد كان الاتحاد يواجه وقتها التنميط الأيديولوجي القاتل والفكر «الستاتيكي» الذي ينزع نحو تعليب المجتمعات في نموذج إيديولوجي واحد يلغي دينامية هذه المجتمعات وجدلياتها الخاصة.
وإذا كان الفكر الجماعي للاتحاديات والاتحاديين يؤمن بالعديد من المشتركات الإنسانية العامة، في مسيرة التاريخ كما في آفاق نضال وكدح وعمل الشعوب في سبيل الرفاهية الجماعية، فإنه مع ذلك يدرك بوعي نقدي حاد أن هناك ضرورة دائمة لمقاربة وطنية داخلية تنصت إلى أعماق ما يجري في المجتمع لفهم ميكانيزماته وتحولاته وطموحاته في كل مرحلة من المراحل…
وقد راكم الاتحاد في الفترة الأخيرة أدبيات عميقة، ومجهودات نوعية وكمية في التفاعل مع المستجدات الوطنية، وقد خوله تاريخ طويل من الوجود السياسي والتنظيمي القدرة على إبداع التحليل الجدي للأسئلة الجدية، سواء عندما تعلق الأمر بتطورات الوضع الوبائي وما جاءت به الجائحة من أسئلة وتحديات أو عند التفكير الشامل حول إعادة النظر في النموذج التنموي القائم وفتح الآفاق نحو نموذج جديد.
ورافع الاتحاد، في سياق الجائحة التي استأثرت بالعقل البشري برمته، من أجل إعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وإعادة طرح العديد من القضايا التي بدا أن العولمة المتوحشة أرادت تغييبها، ومن هذه القضايا كل ما له علاقة بالدولة الاجتماعية.
لقد حرَّض الاتحاديات والاتحاديون أنفسهم من أجل بلورة جواب جماعي دينامي وذكي على مجمل القضايا التي استجدت مع الوضع الوبائى، وما كشفت عنه من مظاهر الهشاشة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والمدرسة… ، كما حرضوا بعضهم /هن على صياغة الأجوبة التي تستوجبها التحديات المطروحة.
إضافة إلى ذلك، لم يقتصر مجهودهم على التفكير والتحليل، بقدر ما تجاوزه إلى ما هو عملي، من خلال البحث عن أفضل السبل إلى ذلك، وضرورة تجديد النَّفَس الإصلاحي في الوطن اليوم، وهو النفس الذي أكد بأن الاتحاد حافظ على قدرته الاقتراحية في هذا الباب، وأن كل مواقع العمل السياسي، في المعارضة كانت أو في المشاركة، لم تزد قدرته الإصلاحية إلا وعيا ودقة وجدلية.
ومن هذه الزاوية تقترح الورقة التنظيمية الإصلاحات الضرورية والاجتهادات الإجبارية من أجل تمكين الاتحاديات والاتحاديين من الوسيلة التنظيمية الجديرة بتقوية أدائهم والجديرة بتحقيق التأثير الضروري والتواجد الفعال في المجتمع من أجل النضال لتحقيق ما توافقوا عليه.
والوثيقة التنظيمية، التي تعد بدورها ثمرة مجهود جماعي، تقدم ما تراه خارطة طريق عملية لتحقيق الأهداف المسطرة.
إن المجهود الذي قام به الاتحاديون والاتحاديات في التحضير لمؤتمرهم، ليس مجهودا نظريا معزولا، بدون أدوات تنفيذ ونضال ملموسة، ولا هو حركية وحراك بدون تصور ورؤية للعالم وللمغرب، بل هو مجهود تتطابق فيه النظرية بالممارسة والممارسة بالنظرية، مجهود جماعي، لا مكان فيه للنجومية المفتعلة، ولا للترف المتعالي، المتمترس في برجه العاجي يخشى «العرق النضالي»، إنه مجهود من أجل تواجد يحفظ للقوى الديموقراطية اليسارية تأثيرها في المجتمع ويُنشط أداءها بطريقة أفضل للدفاع عن قيم الحداثة والعقلانية والحرية…
إن إنجاح الجانب الجوهري في المؤتمر لا يقف عند العتبة السياسية أو التنظيمية، وقد تحقق فيها نضج كبير، بل يتعداه ذلك إلى الجوهر المعنوي، ويمكن القول، بدون مبالغة ولا تزييف للوقائع، إن الحالة المعنوية للاتحاديات والاتحاديين في وضع إيجابي، متقدم ومحفز، فهم يتوجهون إلى المحطة الديموقراطية والتنظيمية الحادية عشرة وقد حققوا مكتسبات تمثلت في تحسين وضعهم المؤسساتي في أكبر مؤسسة ديموقراطية وهي البرلمان، كما يتوجهون إلى المؤتمر وقد حددوا موقعهم في الخارطة الوطنية، من موقع المعارضة المسؤولة التي تملك أدوات عملها وتملك أرضية صلبة لذلك، ويرون أن موقعه كأول حزب في المعارضة يعطيه قوة سياسية ومؤسساتية ليست لغيره، وتطرح عليه ضروريات جديدة، منها إعادة ابتكار المعارضة من خلال ما يستجد في الساحة الوطنية، علما أن معطيات جوهرية أصبحت تعمل لفائدة الاتحاد، ومنها تحقق الإجماع الوطني حول ما دافع عنه طوال تاريخه حتى أصبحت لائحة القيم التي دافع عنها، من حقوق الإنسان وديموقراطية وتعددية فاعلة ومنتجة، ترفض كل هيمنة أو تغول اختزالي وحداثة ومساواة، من السجل الوطني الموحد للدولة والمجتمع…

 

الكاتب : «الاتحاد الاشتراكي» - بتاريخ : 28/01/2022

التعليقات مغلقة.