العدالة الترابية تبدأ من الماء… ثم الطريق

الاتحاد الاشتراكي

نحن على بُعد أربع سنوات فقط من احتضان بلادنا لحدث عالمي كبير، هو كأس العالم لكرة القدم 2030. في هذا السياق، تُسابق الدولة الزمن لتكون في الموعد، من خلال تشييد الملاعب، تجهيز المستشفيات، تطوير شبكة الطرق، وإنشاء خطوط القطار فائق السرعة، إلى جانب مشاريع كبرى سترفع من مكانة المغرب على الصعيد الدولي.
لكن، في المقابل، لا تزال مناطق من المغرب العميق تفتقر لأبسط ضروريات الحياة: الماء الصالح للشرب والطريق المعبدة. وهذا ما عبّر عنه سكان عدد من الدواوير التابعة لجماعة فم العنصر بإقليم بني ملال، الذين خرجوا في مسيرة احتجاجية حملت رسالة مؤثرة، وصل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بل وأعادت طرح السؤال الحقيقي: أين العدالة المجالية؟
وقد أصبحت هذه القضية مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بالنظر إلى الطريقة المؤثرة وغير المألوفة التي عبّر بها المحتجون عن تذمرهم واستيائهم من غياب الماء والبنية التحتية الأساسية. لقد لامست صرختهم وجدان المغاربة، وشكلت نموذجاً حياً لما يعانيه سكان العديد من المناطق المهمشة.
صورة أطفال ونساء يطالبون فقط بشربة ماء، تختزل حجم التفاوتات الصارخة، وتضعنا جميعاً أمام مسؤولية عاجلة: لا يمكن الحديث عن تنمية ترابية مندمجة دون ضمان الحقوق الأساسية للمواطن، وعلى رأسها الحق في الماء، والطريق، والعيش الكريم.
ولا شك أن تلبية هذه المطالب، والقطع مع استمرار مظاهر التهميش في بعض الأقاليم ذات الشساعة الجغرافية والطبيعة الجبلية الصعبة، يتطلب دعماً حكومياً مباشراً، إذ أن الميزانيات المحدودة التي تتصرف فيها الجماعات الترابية والمجالس الجهوية لا تكفي لسد الخصاص المتراكم. ومن ثمة، فإن الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية لا بد أن ينصف هذه المناطق، ويُخصَّص لها ما تستحقه من اعتمادات مالية حقيقية، تُمكن من تجاوز هذا التفاوت البنيوي وتحقيق تنمية عادلة وشاملة.
إن المدخل الحقيقي لتنمية منصفة وعادلة يمر أولاً عبر تمكين كافة جهات المغرب من نفس الإمكانيات المالية، فضعف موارد الجماعات والمجالس الجهوية كان دائمًا أحد الأسباب الرئيسية لعدم تلبية هذه المطالب الحيوية. لا يمكن تحقيق التنمية أو توفير أساسيات العيش الكريم دون عدالة في توزيع الموارد المالية. المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الجماعات أو المجالس الإقليمية والجهوية، بل تقع بالأساس على الحكومة، باعتبارها الجهة الماسكة بتدبير هذه القطاعات. وإذا كانت غير قادرة على الاستجابة لهذه المطالب، فعليها أن تنقل اختصاصاتها وصلاحياتها كاملة إلى مجالس الجهات، حتى تتمكن من تنزيل الجهوية المتقدمة بشكل فعلي وناجع، بما يُجنب البلاد تكرار مثل هذه الاحتجاجات التي تدور حول حقوق بديهية كالماء والطريق، والتي آن الأوان أن يُقطع معها المغرب نهائيًا.
وقد تنبّه الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لهذا الواقع، حيث أعلن جلالة الملك عن انطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، في خطوة استباقية تعكس وعياً عميقاً بضرورة تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، ووضع العدالة الترابية في صلب الأولويات الوطنية. غير أن هذا البرنامج، ورغم أهميته، ليس بديلاً عن برامج التنمية المحلية والجهوية التي يجب أن تستمر بنفس القوة، بل يُفترض أن يُكمّلها ويساعد على إصلاح ما راكمته السنوات من اختلالات. وبعد كل هذه التراكمات والخبرات، لم يعد مسموحاً إعادة ارتكاب نفس الأخطاء، مهما كانت الأسباب، لأن مغرب اليوم لا يمكن أن يتقبل مشاهد لمسيرات احتجاجية تطالب بتوفير مادة أساسية للحياة مثل الماء الصالح للشرب.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 29/08/2025