المغرب دركي إفريقيا

الاتحاد الاشتراكي

تتعرض بلادنا لحملة ظالمة – إن لم نقل مدبرة – هذه الأيام، بسبب الحادث الأليم بمعبر مليلية المحتلة (وللتذكير بوضعها دلالات في هذا السياق الملغوم)، ولأننا على أعتاب شهر يوليوز، يحق لنا طرح علامات استفهام عن هذه «الصدف» العجيبة التي تجعل هذا الشهر الصيفي موعدا سنويا لتنظيم حملات منظمة وممنهجة ضد بلادنا.
في البدء، يحتم علينا الواجب الإنساني أن نتقدم بخالص التعازي لأسر كل الذين رحلوا عن دنيا الآلام والتعب، بسبب التدافع وتسلق الأسوار الشائكة العالية بالمعبر، مع الدعاء لهم بخالص الرحمة، وأن نتمنى الشفاء لكل من يتلقون العلاج بالمستشفيات المغربية من المهاجرين غير النظاميين، وأفراد القوات العمومية المغربية الذين كانوا يؤدون واجبهم المهني.
كما يحتم علينا الواجب الحقوقي أن نذهب إلى الأسباب العميقة لمآسي الهجرة غير النظامية.
وهي أسباب ما فتئ المغرب يذكر بها في خطابات ملكية متواترة، وفي منتديات شارك فيها المغرب، بل واحتضن بعضها، ممن صدرت عنها إعلانات حول ضرورة توفير شروط الهجرة الآمنة، واحترام حقوق المهاجرين غير النظاميين.
إن المسؤولية الأولى تتحملها في حالة القارة الإفريقية، دول الاتحاد الأوروبي، بسبب سياسات الهجرة المتشددة، والتي تزداد تقييدا لحقوق الأفراد في التنقل والعيش الكريم، كلما تقدمت قوى اليمين المتطرف، التي باتت اليوم تخترق حتى القوى اليمينية المعتدلة والوسطية، وجزءا من اليسار للأسف.
كما تتحمل جزءا منها السياسات الخارجية لبعض دول قارتنا، التي تساهم في البلقنة وتأجيج الصراعات، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مما يجعل المجالات الترابية الحدودية مرتعا لنمو عصابات الجريمة العابرة للدول والقارات، وتجار الأسلحة، ومافيات الاتجار في البشر.
لذلك ومن أجل فهم ما حصل بمعبر مليلية نحتاج لرؤية شمولية .
والآن لنعد لبلدنا، ولنطرح سؤالا: ما الفاتورة التي يدفعها المغرب جراء اختياره المقاربة الحقوقية في التعاطي مع إشكالية الهجرة غير النظامية؟
وحين نقول المقاربة الحقوقية، فلا نعني أنها مقاربة مجردة أو «رومانسية»، بل هي تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات السيادية والأمنية، والتزامات المغرب بموجب القانون الدولي.
فالمغرب ليس دولة مزاجية، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، حتى ولو كثرت الاستفزازات.
رغم إمكانياتنا المتواضعة قياسا لعديد الدول، ورغم الظرفية الصعبة التي يمر منها الاقتصاد العالمي جراء أزمات متواترة، تنعكس على اقتصاديات الدول الصاعدة مثل المغرب، فإن بلادنا اختارت النهج الاستيعابي للهجرة غير النظامية، فكانت رائدة قاريا وفي محيطها الإقليمي، في منح المهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، الموجودين فوق ترابها، كما الآتين من مناطق توتر مختلفة كاليمن وسوريا الأوراق والوثائق التي تمكنهم من تسوية وضعية الإقامة الشرعية بالمغرب، وهو الأمر الذي سيمكن عددا كبيرا جدا من الأفراد والأسر من الولوج لخدمات الصحة والتعليم والشغل والتنقل في ظروف تحفظ الكرامة الإنسانية.
إن المغرب بموقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا ومن جزر الكانارياس يعتبر وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة غير النظامية، والهاربين من الفقر والحروب والمجاعات، وبسبب حدوده مع موريتانيا والجزائر التي لا تحرس حدودها، وتفضل تسهيل عملية عبور هؤلاء المهاجرين نحو المغرب عوض أن تستوعبهم أو تتحمل مسؤولية دخولهم آراضيها، ولقد خلق هذا الوضع إشكالات أمنية، خصوصا وأن أغلب القادمين هم رهائن بشكل أو بآخر لمافيات الاتجار بالبشر والتهريب والجريمة.
ومع ذلك لم يغير المغرب سياساته تجاه الهجرة، وفضل الاستمرار في الانتصار لأولوية الحقوقي والإنساني، وبشهادة المنتظم الدولي، ولم يكن عبثا أن تختار الأمم المتحدة المغرب لتنظيم مؤتمر دولي حول الهجرة الآمنة.
يهاجمون المغرب بسبب وفاة 23 مهاجرا غير نظامي بسبب التدافع ومحاولة تسلق الأسوار الشائكة التي وضعتها السلطات الإسبانية، مما لا دخل للمغرب فيه، وأي تحقيق سيكشف أن الوفيات كانت بسبب ذلك، وليس بسبب تدخل القوات العمومية لتفريق جموع كانت تتحرك بشكل يخرق القانون ويثير الفوضى ومتجهة نحو سياج تحكم دخوله إجراءات قانونية.
لكنهم يتجاهلون رقما آخر مهما، لقد استطاع المغرب خلال سنة 2021 فقط أن ينقذ أكثر من أربعة عشر ألف مهاجرا غير نظامي في عرض البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وبإمكانياته الذاتية البشرية والمادية، دون الحديث عن المحاولات التي أحبطها قبل الإبحار نحو المجهول، والشبكات التي فككها والتي تكاد تصل الألف في السنة.
هذا المجهود، وحده، كاف لهواة المقارنات لكي يعرفوا ما يقوم به المغرب من أجل الحماية القانونية والأمنية والصحية والاجتماعية للمهاجرين، قياسا لما يقوم به من يوجهون سهامهم للمغرب، من دول ومنظمات وأفراد، باتت لعبتهم مكشوفة اليوم.
ولنعد لحادث المعبر، ولنطرح أسئلة، نترك الجواب عنها لأصحاب العقول اللبيبة.
سؤال في السياق: ما الذي جعل الاقتحامات الجماعية متوقفة قبل الانفراج في العلاقات المغربية والإسبانية، ثم بعد تقوية هذه العلاقات، ستعود فجأة هذه الظاهرة؟
سؤال في التخطيط: لقد حصلت اقتحامات في سنوات سابقة، وبأعداد أكبر ناهزت الخمسة آلاف، ولم تكن الحصيلة بهذا الرقم المفجع، فمن اليد التي نظمت الاقتحام الأخير، وخططت له ليكون بذلك الشكل الذي تحكم فيه العنف حتى قبل الوصول للسياج الفاصل؟
سؤال في المسار: أغلب المتوفين كما المصابين والموقوفين من جنسية سودانية وتشادية وحتى من اليمن وجنسيات أخرى، لا تربط بلدانهم أي حدود مع المغرب، ولكي يصلوا بلدنا يجب أن يقطعوا بلدانا عديدة.
قد يقول قائل إن هذا أمر مألوف، لكن مهلا.
المألوف أن أغلب المهاجرين جنوب صحراويين في الحالات السابقة كانوا قادمين من دول مثل السينغال والكاميرون والنيجر (غرب إفريقيا)، حيث مسار الهجرة غير النظامية نحو المغرب معروف، لكن هذه المرة أغلب الحالات قادمة من دول قادمة من المسار الشرقي، والذي عادة كان يتجه نحو إيطاليا أو تركيا واليونان، فمن غير اتجاههم نحو المغرب؟
قد نتفهم ظروف دول ذات هشاشة أمنية في عدم تأمين حدودها مثل ليبيا، لكن كيف يستقيم أن تمر كل هذه الأعداد عبر الجزائر وصولا للمغرب؟
كيف نفهم أن يكون مهاجرون من إقليم دارفور السوداني بهذه الكثرة في عملية الاقتحام الأخيرة، رغم أن الدارفوريين أمامهم مسار أكثر يسرا، ويتم التعامل معهم بنوع من الانتقائية الإيجابية بسبب ما تعرضوا له من شبهة جرائم إبادة بحثت فيها المحكمة الجنائية الدولية؟ ما الذي سيجعلهم يختارون مسارا أصعب وغير مأمون؟
في هذه التفاصيل الأخيرة التي طرحناها عبر أسئلة، يكمن شيطان تحالف مصلحي بين دولة متآمرة وعصابات اتجار في البشر.
وفي المعطيات التي قدمناها بداية عن جهود المغرب في حماية المهاجرين ، تبرز حقيقة: المغرب دركي إفريقيا وحارس حدودها.

 

 

 

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 01/07/2022

التعليقات مغلقة.