الوطن في العينين..

الاتحاد الاشتراكي

 

لا نجد توصيفا يعبر عن حقيقة الوجدان الجماعي الشعبي في بلدنا، ارتباطا بتصاعد حدة استهداف مصالحه، والتشويش على مساعيه لحسم ملف الوحدة الترابية، أبلغ من عبارة « الوطن في العينين»، التي هي عنوان لرواية المبدعة السورية حميدة نعنع.
إن بلدنا يتميز إقليميا بطابعه التعددي، وهو تعدد لا يعكس اختيارا سياسيا فقط، بل هو نتاج التاريخ والجغرافيا والمناخ والتضاريس، وهي معطيات قبلية منحت المغرب تعددية في اللغات والمعمار والعادات والأزياء، وبالنتيجة انطبعت الشخصية المغربية باستمتاتها في رفض أي توجهات في فرض إجماعات قسرية، وفي الآن نفسها انقيادها السلس نحو الإجماعات الوطنية في مواجهة أي عدوان أو مؤامرة أو استهداف خارجي، وهو ما عبر عنه جلالة الملك حين تحدث في الخطاب الأخير عن الجبهة الداخلية.
وهو الجواب المرحلي والاستراتيجي عن كل الاستهدافات أيا كانت طبيعتها، ولذلك فإن المعركة الحالية تتطلب الابتعاد عن الأنانيات المصلحية، والنأي عن تصفية الحسابات الشخصية، والانزياح عن الصراعات الثانوية.
هناك بعض الأشواك في حذاء البلد، ينبغي المسارعة لنزعها لمزيد من تمتين الجبهة الداخلية.
وإذا انتقلنا من المحلي إلى الإقليمي، فإن ما قامت به الرئاسة التونسية ليس مما يمكن أن نعتبره هزيمة لبلدنا في إطار صراع الاصطفافات في شمال إفريقيا، بل هو هزيمة لتونس واستقلالية قرارها السيادي أمام جارها الغربي، وهذه الهزيمة التونسية لها انعكاسات سلبية على أفق بناء المغرب الكبير على أسس التضامن والتكامل الإقليميين.
ولا يمكن لعاقل أن يقتنع بتبريرات الخارجية التونسية، التي حاولت أن تغطي سوأتها بدفوعات «قانونية» معزولة عن سياقاتها، لأن الأمر مرتبط باستقبال رئيس دولة لزعيم ميليشيا مسلحة على أساس أنه رئيس دولة، وبوضع علم الجمهورية الوهمية في قاعة الاستقبال، وهي تدابير بروتوكولية برسائل سياسية واضحة، تعلن بشكل واضح خروج الجمهورية التونسية من منطقة الحياد التي كان يتفهمها المغرب بسبب لعنة الجغرافيا التي جعلت تونس بحدود شاسعة مع جار توسعي، إلى منطقة التبعية المطلقة للسياسة الخارجية الجزائرية المنطلقة من العداء للمغرب ومصالحه.
إن الحرص على وضع علم الجمهورية الوهمية كجزء بارز في بروتوكول الاستقبال، هو استكمال لامتناع تونس عن التصويت على القرار الأممي رقم 2602 المتعلق بالصحراء المغربية في مجلس الأمن، والذي اتخذت الجزائر وجبهتها الانفصالية منه موقفا سلبيا، فيما رحب به المغرب وكل القوى المحبة للسلم.
وفي كل الأحوال، فإن المغرب يراكم نجاحات على مستوى إقناع المنتظم الدولي بجديته ومصداقيته بخصوص حل نهائي ودائم وسلمي لهذا النزاع المفتعل، بما يضمن حقوق وكرامة الجميع، وينسجم مع حق المغرب في حماية وحدته الترابية، وهو ما جعله موضع إشادة من عواصم دول كبرى، ومن منتديات واتحادات دولية وقارية، مما يعبر عن واقعية ومبدئية معا في المقترح المغربي، الذي يزاوج بين الحق والمصلحة والانتصار لحق الشعوب في الأمن والسلم والاستقرار والحياة الكريمة.
يؤمن المغرب بأن استمرار النزاع المفتعل، وحتى دخوله في مرحلة جمود، حيث لا حرب ولا سلم، له كلفة على التنمية، ويجعله مثل اللغم القابل للانفجار في أي وقت، بما يشكل تهديدا للمنطقة كلها، وبالتالي فهو يسعى لنزع هذا اللغم بشكل نهائي. وهذه هي الفلسفة المستقبلية لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
إن هذه النجاحات الدبلوماسية والسياسية، وإن الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني الذي يشكل عامل جذب للمغرب على كل المستويات، يستفز من يعتبرون تحول المغرب لقوة إقليمية وقارية ومتوسطية وشمال إفريقية، بامتدادات شرق أوسطية وأروبية ، تهديدا لمصالحهم الاقتصادية والسياسية والرمزية.
إن المستهدف قبل مصالح المغرب الاقتصادية هو نموذجه المتفرد في المنطقة، والذي يشكل تهديدا لنماذج شعبوية ومتكلسة وشائخة.
وهو نموذج يسعى لأن تكون سياساته وعلاقاته وتحالفاته متخلصة من الدونية والتبعية والإلحاقية، وفي الوقت ذاته متخلصة من البراديغمات الكلاسيكية والمقولات المتوارثة، لصالح المرونة الإيجابية التي تؤطرها غائية المصالح المشتركة المتوازنة، وهو ما يسمح للمغرب بالتحرك في ساحات مختلفة، وفي قضايا شائكة بهدوء وإيجابية، بعيدا عن طنين الشعارات الشعبوية .
وعودا على بدء، نعيش منعطفات صعبة، في ظل أزمة عالمية، عادت لتطرح أسئلة الأمن الطاقي والغذائي، وهي ظرفية ستنعكس سلبا على بلدنا، كما بلدان كثيرة في العالم، وسيحاول خصومنا استثمار سلاح الطاقة في مفاوضاتهم مع شركائنا التقليديين لجهة الإضرار بمصالحنا، وخصوصا في قضية وحدتنا الترابية. وإن الجواب المغربي الفعال سيكون بمزيد من تمتين الجبهة الداخلية، واستكمال سياساتنا الخارجية المنحازة للسلم والأمن والحوار، والانخراط الآني في مستقبل الذكاء الصناعي والطاقات المتجددة، مما يجعل التنزيل السليم للنموذج التنموي الجديد رهاننا الآني والمستقبلي معا.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 29/08/2022