حـديـث الـصـورة

الاتحاد الاشتراكي

قد يفهم المتابع لشؤون السياسة بالبلد الهجوم على أي فاعل سياسي بشكل متواتر، إذا كان ذلك الفاعل السياسي في موقع تدبير الشأن العام، بغض النظر عن معقولية ما يوجه له من انتقاد من عدمها، وقد يفهم في إطار الصراع السياسي في حدوده المقبولة أن يتم الرد بين الفينة والأخرى على فاعل حزبي في المعارضة من طرف « جمهور/ زبناء» الأغلبية، بغض النظر عن طبيعة هذا الجمهور، هل هو من المناصرين التقليديين أم من الطارئين الذين يلبسون لكل أغلبية جديدة جلبابا مناسبا لها.
لكن حين يصبح التهجم بشكل منهجي ومتواتر(ولا نقول الانتقاد) على قائد حزب في المعارضة، وهو لا يحوز حاليا أي منصب يخوله تدبير ولو جزء بسيط من الشأن العام، ولا يحوز على أي منصب تم تعيينه فيه من المناصب السامية، فالأمر يحمل قدرا غير يسير من الغرابة الممزوجة بعلامات استفهام عديدة.
وهو الأمر الذي يتكرر منذ مدة ليست بالقصيرة مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لن نعود للمرحلة التي كان فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جزءا من الأغلبية الحكومية السابقة، فرغم أن التهجمات التي طالت الأخ الكاتب الأول للحزب كانت تتجاوز في حدتها ما واجهه حتى الأمين العام للحزب، الذي كان يقود الحكومة، فقد اعتبرنا أن وجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة ربما قد يكون مبررا لكل حملات التهجم والانتقاد عن حق أو باطل، إسوة بالأمناء العامين لباقي الأحزاب، واعتبرنا الأمر ضريبة اختيار سياسي بالمشاركة في حكومة يقودها حزب محسوب على تيار الإسلام السياسي، خصوصا أن الضربات أحيانا كانت تأتي من داخل العائلة الحزبية والإيديولوجية.
لكن التهجمات، وأغلبها تتجاوز حدود اللباقة والأدب، ولا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير التي تفترض حدا أدنى من أخلاقيات الحوار والتناظر والجدل، استمرت حتى والحزب يعلن اصطفافه في المعارضة.
ولقد بلغت مبلغا مؤسفا موازاة مع التحضير للمؤتمر الأخير للحزب، حيث اشتغلت ماكينة رهيبة سواء في مواقع إخبارية معينة، أو في صفحات غير بريئة نوايا من يقف وراءها في وسائط التواصل الاجتماعي.
وفي مرحلة معينة بدا وكأن العزم قد انعقد على الإطاحة بالكاتب الأول للحزب خلال المؤتمر، ضدا على رغبة الاتحاديات والاتحاديين بتجديد الثقة فيه، أوسحبها منه.
وبلغت الغرابة أوجها بأن أصبح الضجيج والغبار والمناكفات والتحريض في علاقة بمؤتمر الحزب يقع خارج المقرات الحزبية وإعلام الحزب ومنتدياته ومناضلاته ومناضليه أكثر بكثير مما يقع داخله.
وإذا كانت حصيلة الأخ الكاتب الأول للحزب عاملا حاسما في تجديد الثقة به، فإنه لا يمكن إغفال أن تلك التهجمات لعبت لصالح انتخابه بتلك النسبة المهمة من أصوات المؤتمرين، فلقد أحس الاتحاديات والاتحاديون وكأن جهات من خارج الحزب تريد أن تقرر في محلهم بخصوص مستقبل الحزب، لينتصر الذكاء الاتحادي الذي له تجربة في الاستشعار والتقاط الإشارات وتفكيكها، وتكييف الاختيار وفق مبدأ حماية استقلالية القرار الحزبي.
ثم في مرحلة تالية، وبعد أن كان الاتحاد الاشتراكي وكاتبه الأول يدعوان لتقوية المعارضة ومواجهة التغول الأغلبي، ويمد جسور العمل المشترك نحو الجميع، سيخرج الأمين العام الجديد/ القديم لحزب العدالة والتنمية الموجود في المعارضة بجوره « يا حسرة» بخطاب غير مفهوم لا في سياقه ولا في دوافعه، ليوجه مدفعيته الصدئة نحو الأستاذ إدريس لشكر الذي لا يدبر الشأن العام، عوض أن يعارض رئيس الحكومة وأغلبية كانت كل تصريحاتها موجهة ضد حزبه بالدرجة الأولى.
لم يلتفت الاتحاد الاشتراكي ولا كاتبه الأول لهذه المتواليات من التهجم والتبخيس والإشاعات، وانطلق الحزب مباشرة وموازاة مع مؤتمره الحادي عشر في استكمال الدينامية التنظيمية بانتخاب المكتب السياسي وتجديد الهياكل التنظيمية الجهوية والمحلية على امتداد جغرافية الوطن، وهي دينامية غير مسبوقة في تاريخ الحزب، ولم يستطع أي حزب مجاراته فيها في هذه الظروف الصعبة.
لقد خلق المؤتمر الوطني الحادي عشر واقعا تنظيميا سمته الحماس والفعل الميداني واستثمار الوقت والمزج بين السرعة والفعالية في الإنجاز، وتحرير الطاقات الحزبية بمبادرات مستمرة ومتوالية تقطع مع الوصاية والانتظارية معا.
وكانت دينامية الفروع الحزبية في الخارج عند الموعد، لذلك أصر الكاتب الأول على مرافقة تحديد هياكل الحزب بالجارة الإسبانية بالحضور الشخصي، وفي الخلفية لم يكن فقط الهم الحزبي، بل الهم الوطني، في علاقة بالمستجدات الأخيرة المرتبطة بالعلاقات المغربية الإسبانية وتداعياتها على القضية الوطنية أساسا، دون إغفال التداعيات الجيواستراتيجية والتنموية والسياسية والاقتصادية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
لم نكن ننتظر أن يتم نثر الورود على هذه المجهودات، ولم نكن لنمن على وطننا باعتبار ما نقوم به واجبا، وخصوصا لجهة استثمار علاقاتنا التاريخية مع الاشتراكيين الإسبان، ولجهة استثمار عمل مناضلاتنا ومناضلينا في ما يخدم مصلحة الوطن ومغاربة العالم، هؤلاء الذين لهم من القدرات ما يخولهم التحول للوبي حقيقي وقوي في خدمة الوطن لو تم إدماجهم في العمل الحزبي والسياسي والبرلماني ومؤسسات الحكامة.
ولكن لم نكن نتوقع بالمثل أن تصل الخسة بالبعض إلى حضيض تفاهات لا علاقة لها لا بدين ولا بأخلاق ولا بحداثة ولا بالدرجة الصفر من قواعد التنافس السياسي، في استثمار جاهل ومتخلف لصور تؤرخ للحظة متميزة في السياق زمانا ومكانا وأهدافا.
وفي البدء والختام، نعتز بكل مناضلاتنا ومناضلينا بالخارج الذين اختاروا الاتحاد الاشتراكي منصة ومعبرا وإطارا لتصريف قناعاتهم الوطنية، وسيستكمل الحزب بناء الأداة التنظيمية من جهة، والتفاعل الميداني مع القضايا الوطنية من جهة أخرى غير عابئ بالحروب الصغيرة والرخيصة، وانتظروا صورنا القادمة، لتستمروا في التعليقات الفارغة، ونستمر في تخليد عملنا الميداني.

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 12/05/2022

التعليقات مغلقة.