خطوة إفريقية تتطلب التخلي عن نوايا الهيمنة والاحتكار

خطت إفريقيا أول أمس إحدى أهم خطواتها الاقتصادية في مسار إعمال أهداف تجمعها القاري الاتحاد الإفريقي. فقد تم التوقيع بالعاصمة الرواندية على اتفاقية تنص على إقامة منطقة تبادل حر، والتي ستشكل دون شك بآلياتها ومراميها، عاملا للتنمية الاقتصادية، والرفع من حجم التجارة البينية بين دول القارة وتجمعاتها الإقليمية ، لتصبح تكتلا تجاريا تلغى فيه التعريفات الجمركية والتفضيلات على السلع والخدمات المتداولة…
إفريقيا ذات الإمكانيات الاقتصادية والمؤهلات البشرية، قدرت وهي توقع على الاتفاقية، بأنها قد تسهم في رفع نسبة التبادل التجاري إلى 52 بالمئة بدل 12 بالمئة حاليا، وتعزيز الصادرات الزراعية والصناعية، وتوفير آلاف الفرص الاستثمارية وملايين الوظائف في أفق إحداث سوق تضم 1.2 مليار شخص، ويبلغ إجمالي ناتجها المحلي المتراكم أكثر من 2500 مليار دولار.
المغرب العضو بالاتحاد الإفريقي، أحد الفاعلين الرئيسين بالقارة على مستوى الاستثمار والتبادل التجاري ونسيج الاتفاقيات الثنائية، وقع على هذه الاتفاقية التي من المرتقب أن تدخل حيز التنفيذ خلال نصف سنة بعد أن تصادق عليها الدول الموقعة من طرف مؤسساتها المختصة .وقد أبرزت بلادنا موقفها من هذه الخطوة المهمة من خلال الخطاب الملكي الموجه إلى قمة كيغالي:
إن تدشين منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، يعد نقلة نوعية على طريق تنمية القارة الإفريقية من جميع النواحي، إذ أن إقامة هذه المنطقة تشكل مبادرة تنبع من إفريقيا وتصب في مصلحتها.
إن إحداث هذه المنطقة، التي تعد الأوسع نطاقا والمحتضنة لأعلى نسبة من الشباب، مقارنة بمثيلاتها في العالم، يجسد بجلاء صدق، إرادة المغرب المشتركة لبناء إفريقيا الغد والمستقبل.
إن هذه المنطقة، تعتبر امتدادا وتعزيزا للتدابير العديدة التي اتخذتها بلداننا لفائدة التجارة البينية الإفريقية، ومن شأنها أيضا أن تحفز الاستثمارات والتنمية الاقتصادية، وتطور الروابط داخل القارة، وتضفي دينامية جديدة على مسار الاندماج في إفريقيا. وهي خطوة تنبع من مقاربة عملية تؤسس لإفريقيا مندمجة ومزدهرة ومسايرة للواقع الدولي .
وإذا كان لمنطقة التبادل الحر أوجه تجارية، فإن الأمر يستلزم أن تنتبه إلى الوجه الإنساني الذي يتمثل في تنمية الفرد والمجموعات البشرية، ويرفع من مستوياتها المعيشية ويوفر لها البنيات الضرورية لحياة كريمة .وهنا نشير إلى ما تضمنه الخطاب الملكي الذي رأى أن هذه الخطوة
«تدشن بداية عهد جديد ينطلق بنا نحو آفاق وممارسات وآليات جديدة في مجال التضامن، لأن إقامة منطقة للتبادل الحر على الصعيد القاري من شأنها أن تساهم في تعبئة الطاقات وتطوير الخبرات وحفز التفكير الخلاق، كما تستجيب على الخصوص لما يحدو شبابنا من طموح أكيد لبناء قارة إفريقية قوية ومندمجة».
بناء منطقة للتبادل الحر، لا يصنعها فقط التوقيع على الوثائق .فعديدة هي الاتفاقيات التي ولدت ميتة أو فارقت الحياة بسبب مواقف ضيقة ونوايا الهيمنة والاحتكار. إن أبرز شروط نجاح منطقة التبادل الحر، توحيد الصف الإفريقي قصد بناء اقتصاد قاري مزدهر يقوم على التنمية الشاملة والمستدامة، وعلى تشجيع المبادرة الحرة وخلق الثروات كما أكد على ذلك جلالة الملك، من أجل إفريقيا الغد التي سيرثها أبناؤنا..