أحمد فرس: لا تتركوا البطل وحيدا!

عبد الحميد جماهري
هل نتركه يذهب وحيدا إلى المصحة، بدون أسراب قلوبنا وبدون عناية وطنية جمعاء؟
هل نتركه وحيدا مع دمه، تتوالى عليه ضربات الداء، بدون أن نسعفه بحبنا وبالدفء الذي يليق بتاريخ مجدنا معه؟
هي لحظة حزن كبيرة، هي لحظة حزن شخصية أولا، أنا الذي تشرفت كثيرا بالعيش القليل معه، من دم ولحم وبساطة وحرقة وطنية شفيفة…
هي لحظة حزن وطنية ثانيا، حزن على أحمد فرس وهو يزرع ابتساماته على من يسألون عنه في مرضه، كما يحافظ على عادته في أن يزرع الفرح ديْنًا عليه…
فرس الذي روض الملاعب في القارات على الرقصات المغربية، وشَغَف البصر، وهزَّ الكيان بقدميه، بتمريرات أقرب إلى رقصات، فيها كل أنواع فرح المغرب، يراها الشرقي ركادة وعلاوي، ويطرب لها الجنوبي أحواش وكدرة ويراها الشمالي طقطوقة وهيت ويراها الغرب المغربي رقصات مترعة بالعيطات…
كل يبدع في مجاراتها ليكتمل فرحه، وكل يترك فرح القلب أمانة في خطوته، هل نسمح له ولنا بأن يغادر بنا منطقة الفرح ليدخل بنا منطقة الحزن والخوف على سلامته وطمأنينة أهله؟
صعب أن نتابع هذه المباراة بين الفرح والحزن…. مُكدَّسين في اسمه.
أحمد فرس الذي صالح الأجيال: لا صراع أجيال حوله، أحبه أبي، ثم أنا ثم من سيأتون من بعدي.
سيحبه المغرب ما دامت الكرة في العالم…
ما زالت صوره بالأبيض والأسود قادرة على رسم لوحة الفرح بألوان قزح، ما زالت الألوان السعيدة كلها مرتبطة باسمه، هو الذي شيد لنا ذاكرة في عالم الكرة عربيا وإفريقيا ودوليا، هو ذاكرتنا حين تغني وحين تحكي وحين تستنجد بالأمجاد للخروج من البلبلة…
بعد جيل، بعد جيلين، بعد قرن، سنكتشف أن المغاربة يدمنون اسمه لأنه كان بطولتهم في القارة الإفريقية وكان اسم الذهب في تاريخ اللعبة.
علمت من رفقتي البسيطة معه ألا أحد يجاريه في تواضعه أيضا، وفي بساطته، لأن البطل الحقيقي يكون كذلك، لأن البطل الحقيقي يلمع بدون الحاجة إلى بطولة مصنوعة، ولأن النجم الحقيقي يلمع بدون الحاجة إلى…نجومية!
وتلك لعمري مفارقة لا يجيد عظمتها غيره!
هل يحتاج أحمد فرس أن نتحدث عن مرضه؟
هل نقبل أو نسلم بأنه مثلنا في المرض؟…
بطبيعة الحال، لكن البطل الفرس الأحمد لا يمكن أن نتركه وحده، في مباراة مفتوحة على ألم العذاب، بعد أن أعطانا عذوبة الذهب، والفرح والزغاريد والدموع الشيقة والسلام الداخلي، والافتخار العظيم.
يصعب ألا نسأل الآن: ألا يفضح مرضه، ومرض الذين صنعوا المجد، مرض منظومة كروية وقيمية وسياسية في البلاد؟
لم نحتج معه إلى محللين وخبراء وكتاب الأحجيات والرقية الشرعية والسحرة في بورصات التنظيم، كان وحده نسيجا يشعل البطولة فينا: نتفرج ونشعر بأننا كنا الأبطال في إفريقيا وفي العالم، ويعود بسيطا إلى بيته وإلى مشاغله وإلى عشيقته الكرة وسلامة روحه…
ليس لنا اليوم، جميعا، أن نسلم بقانون الطبيعة في جسده المصاب، بدون أن نعاتب ذاتنا الجماعية على ضياع ما فينا من طبيعة مغربية في احتضان الذين يصنعون مجدنا، الذين يحولون الكرة إلى حاسة سادسة، إلى جمعٍ للحواس، ويقاسم رفيقه في اللعب رقعة العالم: لك الشرق ولي الغرب ومستطيل المعجزة…
لنا فيه أخ يخرج إلى المعركة، وهو يحرس قلبنا من صدمات الخصم، ولنا فيه الأب، فهو لم يحضر أبدا ميلاد أبنائه الستة لأنه كان يذهب إلى العالم ليأت لكل أبناء المغاربة بسلال الفرح وذهب المعجزة.
هل ينام البطل على سرير العلاج؟
هل يترك وراءه الخلود ويدخل بسيطا إلى المصحة؟
يحدث ذلك، لأنه إنسان بسيط مثلا، لكن أن نتركه وحيدا وسط الشك والبساطة المؤلمة، فذلك ما لا يليق بدولة البطل ولا بمنظومة البطل ولا بحاضر البطل…
لن نعود كما كنا إلا إذا عاد سليما إلى بيته وأهله، ولن نعود سالمين أخلاقيا إلى ضميرنا الجماعي إلا إذا عاد سليما معافى من آفات النسيان الذي تطال أجمل ما فينا.
السي أحمد فرس، يا اسما نفيء إليه لنعيش أكثر ونفرح أكثر ونثق في عبقريتنا الكروية المغربية أفضل… سلاما مول الكرة وحاضنها الأبدي!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/10/2022