أسئلة وحقائق لا بد منها قبل الحديث عن رفع الحجر الصحي، وبعد رفعه؟
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
انقسمت دول العالم إزاء الجائحة إلى قسمين:
دول قامت بالقليل وفي وقت متأخر ودول قامت بالكثير وفي الوقت المناسب،ودولة المغرب من هذه العينة الأخيرة..
يبقى سؤال القادم، يستوجب نفس الذكاء الجماعي، بقوة القرار نفسها والأسئلة التعبوية ذاتها.
ينتهي الشوط الأول من الحجر الصحي، ويبدأ السؤال المنطقي:
p هل سيقف المغرب عند هذا الشوط أم سينتقل إلى دورة ثانية، وكيف ذلك ؟
n قبل أي جواب، لا بد من وضع حقائق بدهية أمام أعيننا وعلى أرض الواقع..
– أولا، أول هذه الحقائق هي آخرها، انطلاقا من آخر الأرقام والتي كشفت عنها الجهات الصحية المعنية حول الإصابات.
فالأرقام، آخرها يوم الخميس وهي مرشحة للارتفاع، تبين لنا أنه تم، إلى حدود الساعة السادسة من مساء نفس اليوم، تسجيل 259 حالة إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا المستجد (24 ساعة)، ليرتفع العدد الإجمالي بالمملكة إلى 2283 حالة. وبالتالي فالأرقام ما فتئت تتناسل وتتواصل، ويتبين من ذلك أن الحالات لا تستقر على منحنى منخفض، بل هي تتزايد، وأحيانا تقفز بمستويات تثير الدهشة وتزيد من الحيرة.
ولهذا، لم يتحدث أحد بعد عن استقرار الأرقام، ولا عن الوصول إلى نقطة الارتفاع التي تسمح بالنزول، والعد العكسي ما زال بعيدا.
– ثانيا، نفس المصدر الصحي أوضح أن هناك 5174 شخصا لا يزالون تحت المراقبة الصحية، وأن عملية تتبع المخالطين مكنت من اكتشاف 1128 حالة في ظرف قياسي. وهذا الرقم لا يمكن استبعاده من الحساب عند الحديث عن أي خطوة ممكنة في المستقبل تتعلق برفع الحجر الصحي من عدمه،وفي كل يوم، هناك 70 في المائة منهم ثبت أنهم إيجابيون، وأن الباقي، 30 في المائة، هم الذين يغادرون المعازل والمصحات وغيرها.
– ثالثا، التعرف على تحليلات هؤلاء، يقرر إذا كان من الضروري استبعادهم أو الإبقاء عليهم تحت الحجر المباشر. ولا يعقل أن نقرر قبل معرفة دقيقة بتطور الحالات الخاصة بهم.
– رابعا، لا يمكن أن ندعي بأن العدد الذي يوجد اليوم تحت المجهر الطبي والصحي، هو الوحيد الموجود أو كل ما يوجد، لا بد من أن نسأل هل سيكون هناك آخرون، من غير المسجلين، كحالة للتتبع والمتابعة؟
أكيد، وعليه سيبدأ، انطلاقا من عددهم ونسبتهم بالمقارنة مع الأمكنة المخصصة لذلك، العمل بالحجر الصحي من جديد، وهو في هذه الحالة لن ينزل عن عتبة ثلاثة أسابيع، قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى.
خامسا، هناك نقطة جوهرية: هل وتيرة الاختبارات والتحاليل المخبرية، إلى حد اليوم، يمكنها أن تجيبنا عن الأسئلة التي طرحناها أعلاه؟
لا يمكن بمستوى التغطية الموجودة حاليا أن ندعي بأننا قادرون على وضع جدولة دقيقة، ولكن بدون أن نترك الناس في الضبابية أو نرجح ما لا يرجح، لا بد من أن تقول الحكومة:
1 – إن التغطية من الاختبارات السريعة ما زالت دون المستوى .
2 – إن الروائز أو “الكيتات” المناسبة لا زالت في طريقها إلينا، ولا يمكن أن تصل بين عشية وضحاها.
3 – إن العنصر البشري وطاقة الاستيعاب، ما زالا يحتاجان إلى الرفع منهما وضمان وجودهما لكي نواجه ما قد تسفر عنه هذه الاختبارات السريعة، ولاسيما وأن نقطة القمة لم تصل بعد وما زال عنصر “البيك، pic” غير محدد.
-سادسا، هل من الضرورة أن يكون الحجر كليا؟ وأن يخضع المغرب كله لمنطق واحد؟
أبدا، إن الخريطة الحالية للوباء تبين أن هناك مناطق، مثل العيون والداخلة وكلميم، دون عتبة الإصابة المسجلة وطنيا، ففي كلميم تماثل المصاب الوحيد بفيروس كورونا المستجد بالجهة، يوم الخميس، للشفاء وغادر المركز الاستشفائي الجهوي لكلميم بعد إجرائه اختبارين للتحاليل النهائية جاءت نتائجهما سلبية.
وعليه، يمكن لهذه المناطق أن تخضع لهذا الرفع بدون أن يكون ذلك دليلا على حرية التنقل الشاملة أو مغادرة المنطقة المعنية، كما أن هناك مناطق، قد يكون فيها الحجر أكثر تشددا جزئيا في الأحياء وفي التجمعات المعنية بالبؤر الوبائية الواسعة الانتشار، بدون أن يمس كل المدينة أو الجهة…
لسنا من سيتحدث عن تفاصيل الأجندة، ويؤكد حقائق من هذا القبيل، بل الحكومة، المؤسسة ومستشاروها العلميون، الذين يضيئون بخبرتهم وكفاءتهم الحقيقية القرار الواجب اتخاذه.
p هل يمكن أن نطرح للنقاش الوطني إمكانية «التعايش» بين الفيروس وبين الحياة العادية في المجتمع؟
n لقد سبق للكثير من الأوبئة أن عاشت بيننا، مثل الجذام والسُّل، أو تعايشت مع دول أخرى كالإيبولا التي تنشط بين الفينة والأخرى مرجل الهلع البشري.
فهل المنطق الصحي الإجباري يمكن أن يذهب إلى نهايته، علما أنه لا يمكنه أن يعيش بدون توقيف الاقتصاد وشل الحياة العامة للمجتمع، وهو شيء تصعب مسايرته إلى ما لانهاية؟
وفي انتظار اللقاح يمكن تصور ذلك التعايش الخاضع للمراقبة الصارمة.
p هل نطرح كل الأسئلة بنفس الوضوح الأخلاقي والمهني بخصوص تأثير الحجر الصحي؟
n لا أحد فينا يسارع إلى طرح رفع الحجر الصحي من زاوية كلفته الاقتصادية، لأن زاوية المعالجة رسمها، منذ البداية، ملك البلاد تحت مظلة الأخلاق الإنسانية الرفيعة. ولهذا، وإلى حد الساعة، لا أحد أعلن انتماءه «للمالتوسية» أو النفعية، التي ترى أن كل يوم نزيده في الحجر، هو يوم تدحرج رهيب للاقتصاد وانهيار للناتج الداخلي الخام، الذي سيقتل الاقتصاد، وما زلنا لحد الساعة في المعالجة الأخلاقية، الأدبية، التي تؤمن بالمبدأ السامي للحياة البشرية، وبالتالي فالموقف بحد ذاته أخلاقي بدون النظر إلى نتائج القرار السياسي بالإبقاء على الحجر الصحي.
وتلخيصا، لا أحد يستطيع، أخلاقيا، أن يشرع في مفاضلة أو مقارنة بين المغاربة الذين سيذهبون ضحية التضعضع الاقتصادي وانهيار منظوماته الإنتاجية والبشرية، وبين الضحايا الذين يسقطون بفعل الوباء، كما ذهب إلى ذلك مالتوسيون من مختلف العالم منهم السويديون” المالتوسية” تقول هذه النظرية إن وتيرة التكاثر الديمغرافي “السكاني” هي أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك. مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة…
p توسيع دائرة السيادة: هل هو نقاش مفتعل أم ضروري؟
n اكتفينا دوما ببعض القطاعات الاستراتيجية، من أمن وجيش وديبلوماسية وحقل ديني، لتصنيفها ضمن ما نتداوله كحقل سيادي في السياسة الوطنية.
اليوم، بدون افتعال أي تشنج دستوري أو رغبة في تميز ترفي، ألا يحق لنا أن نطرح، كما تطرح دول غربية منها فرنسا وبريطانيا، توسيع دائرة الحقل السيادي، بما لا يجعل قطاعات أخري رهينة بالسياسيات الليبرالية المتوحشة أو النكوصية الخاضعة للضغوط الدولية، كما وقع لنا في الحكومة السابقة، وكنا على وشك أن نحوله إلى عقيدة اقتصادية مع الحكومة الحالية؟
والمقصود بذلك، أن قطاعات جديدة دخلت بقوة الواقع، ضمن دائرة السيادة، ومنها الصحة والتعليم والفلاحة والتغذية .
ومنطق السيادة الذي ندافع عنه، ليس فقط الطابع السيادي الذي ميز النقاش الداخلي في الحقل السياسي المغربي، إذ نريد منه القول إن كل قرار في شأن العمليات ذات الصلة بهذه القطاعات، هو من صميم السيادة اليوم، لا يقل من حيث خطورته عن الدفاع وعن الخارجية وعن الأمن…
وهو منطق مارسته دول ضليعة في الديموقراطية واكتشفت أن سيادتها الغذائية والصحية أضعفتها وجعلتها تبدو بدون غطاء، بل أحيانا ترد بانفعال سخيف فتميل إلى الترهات والسخافة، كما هو حال أمريكا ترامب مع الصين…
p كيف سيكون التصرف في رمضان؟
n سؤال لا يمكن أن نغفله، سواء في جانبه الروحي، الذي يستوجب تحرك العلماء ومؤسسات الأمن الروحي، أو من ناحية التحركات التي قد تغري الشباب، إما بتراويح في البيوت، أوفي الفضاءات الخاصة أو التجمعات ما بعد الفطور والعشاء.
ولدينا تقاليد راسخة للغاية قد تبدو طيبة وسهلة وبدون آثار جانبية في حين أن احتمال التسخير لها يجعلها قوية الصعوبة، كما لا ننسى أيضا من سيروق له أن يزايد بالصوم والصلاة في الشهر الفضيل، متعنا الله بنعمه…
p هل التوقعات بخصوص الحياة القادمة، قد استحضرت تعقد الوضع؟
n لقد خلقنا عادات اجتماعية، في مستوي تاريخي من مواجهة الهشاشة، وخلقنا أمانا اجتماعيا غير مسبوق، ولربما كنا نطمح إليه، في ظروف عادية من خلال السجل الاجتماعي الموحد الذي دعا إليه ملك البلاد، وهو ما يطرح سؤال عودة إلى مربع الانطلاق بعد رفع البلاء إن شاء رب العزة والجبروت.
كما أن الوضع الاقتصادي يستوجب النظر بعين الحقيقة إلى ما استجد من واقع، إذ يظهر من رسملة البورصة عند العديد من الشركات الكبرى والاستراتيجية أو غيرها أن الوضع كارثي، وهو مجرد مقدمة لما ستعرفه الجبهة الاقتصادية والاجتماعية القادمة من قوة الرجة.
كما توجد قطاعات مهمة دخلتها مياه الوهن، وعرفت اقتطاعات هائلة من حياتها الباذخة، مما قد لا يسمح لها بالبقاء قيد الوجود.
من يعتقد بأن القرار، أي قرار، سهل، وأنه يمكن أن يكون هناك تصرف أحسن، يكفي كتابته على ورق صقيل، يغالط حقيقته ونفسه، والحقيقة الساطعة هي أن الوضع معقد للغاية وصعب، وأي نزوع إلى التبسيط هو نزوع خطير وقد يعمي البصر…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/04/2020