أعترف بأنني لست فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين 2/2
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا فرق بين دمنا في الصحراء
ودم الفلسطينيين في الجليل، كلاهما يطارد العدو
ويصب الحزن العتيق في الوريد
لا فرق أيضا بين واقعية الكوفية
وواقعية الطربوش واللفة البلدية، عندما تكون السياسة تمرين التاريخ على حرية الأرض، وانتساب أخلاقي إلى موازين القوة..
دمنا أيضا رائحته زكية، والعدو ليس دوما قادما من التلمود، ولا مستوطنا من صفصاف بولونيا، قد يكون هو الأخ النائم في فراش الأخوة المغاربية، وهو من سوء حظنا أكثر.
هذا الذي يحمل السكين، هابيل الذي يعانقك ثم يغرسه في ظهرك سنين عددا..
لن نقبل عزاء العدو الإسرائيلي فينا عندما يقتلنا جارنا أو شقيقنا، ومن سوء الحظ أيضا أن علينا أن نعطي صدرنا للعدوين معا، ونقبل أن نمني النفس، عقودا طوالا، بأن الشقيق سيكتشف وجهنا ويكتشف التشابه بيننا ويغير من مخطط الجريمة في أرضنا..
من سوء حظنا أن علينا أن ندافع عنا أمام أشقائنا في شرق البلاد التي حررناها معهم.
وعلينا أن نواصل الدفاع عن القدس وعن فلسطين، بدون أن نطلب ثمنا لدفاعنا..
العدو الشقيق يغذي العداوة ضدنا …
هل نطلب المستحيل لو طلبنا الحق، وطلبنا أن يسمى دمنا بدمنا ككل الدماء التي تسيل في قضية عادلة؟
***
كثير من القادة اليساريين المغاربة أقروا بأن فلسطين عَرَّبَتْهم، وجعلتهم أقرب إلى القومية، عوض الحنين الجارف إلى مستقبل وجد في الحلم البشري حول الأممية الإنسانية، وبذلك كانت فلسطين رحلتنا إلى الخاص،
كما أن الكثير من هؤلاء القادة، تبرعوا بأرواحهم للصحراء، كان الوطن طريقا جليلة إلى إنسانيتهم الشاملة، وعلى قاعدة الصحراء كان يتم الخصام أو الوفاق الوطني بين النظام والمعارضة، ولعل فصلا هاما لم يكتب بعد في صراع الشرعيات بين الدولة وبين المعارضة، على قاعدة من يحب البلاد أكثر ومن يعبر عن أحشائها، وعن فصولها وعن ما تحمله في بطنها من ربيع ؟
وكثيرا من الثوار، كما في ثورة مارس 1973 بقيادة محمود بنونة، كانوا قادمين من قلب الأرض الفلسطينية وخاضوا حروبا هناك لتحرير الأرض ولتحرير الإنسان، واعتبروا أن الثورة على النظام، لا عن البلاد، طريقة واحدة في التعبير.
وإن أعدموا في نهاية عملية هي أقرب إلى الانتحار الجماعي منها إلى الثورة!
الدم المغربي جزء من الدم الفلسطيني لا مراء في ذلك، كما أن الوطنية الحرة وطن مغربي تستكمل بفلسطين.…
هناك نقاش مغلوط يراد لنا أن نسقط فيه، تتم تزكيته بأخبار متلاطمة عن تعاون عسكري وصفقات وزيارات سرية !
لنؤكد مجددا ما قلناه البارحة وقبل البارحة:
لنقلها بكل وضوح وعقلانية والتزام وطني: لسنا في حاجة للتنازل عن فلسطين، مقابل الصحراء…، ولسنا في حاجة لاختلال أخلاقي، لكي ندبر قضيتنا الوطنية، على حساب شعبنا الفلسطيني، وعليه فإن جزءا من النقاش الذي يفرض علينا، على هامش صفقة القرن، لا جدوى منه.
أولا: لم يثبت أي أحد أن الذي يشاع ويروج قائم حقا وله مبرراته، والهجوم على الخارجية المغربية لأنها لم ترد على ما كتبته الصحافة الإسرائيلية حول صفقة داخل الصفقة، الصحراء من جهة والتطبيع من جهة ثانية، هو هجوم لا معنى له، لأن الوزارة لا يمكنها أن ترد في كل لحظة عما تكتبه الصحافة، والدول ترد على الدول ومواقف الدول وأخبار الدول..
ثانيا: لا شيء يمكن أن يقنع المغاربة أن الميزان الذي توزن به الأمور في هذه المانوية الرهيبة، يمكن أن يظل على ما هو عليه.. في عالم تتموقع فيه الدول، وتبنى فيه المواقف بشكل متحرك ودائم ومتغير.
ولن يرضيهم بأن يختل ميزان القيم بأن يصير حقنا يقتضي بالضرورة المرور عبر التنكر لحقوق الفلسطينيين وتطبيع العلاقة..
لقد قاوم المغرب الولايات المتحدة بقوة، ويجب ألا ننسى الرسالة القوية لملك البلاد في 2014، والتوجه بصلابة إلى واشنطن بالموقف الصلب، ولا ننسى أيضا قول الملك في قمة الرياض 2016، عما يحاك ضدنا من طرف القوة الكبرى، وتصريحه: لسنا محمية لأحد!
هي ذي المرجعيات المغربية، العاطفية والسياسية والأخلاقية، في الدفاع عن حقنا في ترابنا و..أرضنا ووحدتنا الإنسانية.
أبدا لا نبحث عن اختلال أخلاقي لدينا لكي نثبت لأنفسنا أننا غير معنيين بتاتا بهذه الأطروحة الثقيلة والمخيفة التي تريد أن تخلق، ضمنا وبشكل بشع، قرابة بين الرباط وتل أبيب، قرابة الميزان الأخلاقي المختل..
لنتذكر أن الفلسطينيين بذاتهم يخوضون حربا أخلاقية كبيرة من أجل حقهم الوطني في الأرض والإنسان، والعالم يتفاعل بميزان الضمير في العديد من القضايا المرتبطة بقضيتهم وبقضيتنا، إضافة إلى الوثائق والحجج والعلاقات التاريخية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/02/2020