أفلام لأبطال المخابرات المغاربة: متى؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أبطال المخابرات أبطال حقيقيون: ليسوا في حاجة إلى حبكة ولا خيال مجنح لكتابة سيرتهم..هذا يقيني الخاص، بناء على ما سمعته أو تابعته من حكايات، يتناقلها العارفون أحيانا شفهيا، وتعرف عناوينها الكبرى بدون معرفة رجالاتها الحقيقيين، لضرورات المهنة وضرورات النجاعة… إلخ إلخ.
والحقيقة تساءلت مرارا لماذا لا نقوم في المغرب، من خلال السينما والتلفزيون، بكتابة سيناريوهات وسرد قصص عن هؤلاء الجنود المجهولين، الذين يصنعون أمجادا حقيقية تجعل بلادهم ترفع رأسها؟ وقد استحوذت علي الفكرة منذ أيام من جديد، وأنا أتابع النقاش، الني نقلت جزءا منه الجزيرة والقنوات المشرقية، وبعض المتابعات الغربية، حول فيلم « تشكيلات » التركي، وتشكيلات “Teşkilat” تعني بالعربية «المنظمة» أو« الجهاز»، والمقصود به الاستخبارات الوطنية التركية.
وحسب مواقع كثيرة، فإن المسلسل يعرض حكاية 7 من موظفي الجهاز يؤدون مهامهم الصعبة بكفاءة عالية.
وقد قال مدير عام قنوات “تي آر تي” إبراهيم إران في تغريدة على موقع تويتر “هناك بعض الأبطال، لا نعرفهم أبدًا.. مسلسلنا الجديد #تشكيلات يحكي قصة أبطالنا السرّيين كل يوم أحد في تمام الساعة الثامنة مساء”.
نتطلع أن يكون هذا التويتر مغربيا..وإذا كنت أعرف بأنني اشتبكت مع الخيال السينمائي والتلفزيوني التركي، عن طريق القراءة والمتابعة..بدون مشاهدة، فقد شاءت كيمياء الصدفة من بعد، أن أشاهد حلقات متفرقة من سلسلة تاريخية شهيرة، ثم توالت اللحظات التي سنحت لي لأسترخي فيها مع الرطانة التركية في كل ما له علاقة بالخيال التاريخي… وفي الآونة الأخيرة، توالت على عناويني، التواصلية في الواتساب والميسنجر والخاص، وتواترت في بريدي العام فيديوهات وأخبار وتعليقات خاصة بالإنتاج التركي حول هذا البعد التسجيلي من حياة منذورة للسر، ومدى انتشار جمهوره في الأوساط المغربية.
والشيء بالشيء يذكر، واستحضرت عام 1988 عندما قدم قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري مسلسل «رأفت الهجان» بطولة محمود عبد العزيز ،سيناريو صالح مرسي، قيل إنه مأخوذ عن قصة «رفعت الجمال» الجاسوس المصرى الذى عاش سنوات طويلة فى إسرائيل و«قدم معلومات استخباراتية هامة، وكانت شوارع الدول العربية تخلو تماما من المارة عند عرض حلقات المسلسل».
وهناك بنك تخييلي حقيقي في المحروسة مصر عن الأفلام والمسلسلات التي تمجد أبطال المخابرات العامة…
لن أذهب بعيدا في استحضار تجارب دول غربية ومشرقية أخرى..وأقول فقط إن مسلسل “تشكيلات” محاكاة لعمليات حقيقية للاستخبارات…هو الأقرب في الفترة التأسيسية.
وأنا أكتب تحضرني آخر عملية عالية ودقيقة قامت بها المخابرات المغربية في الولايات المتحدة، مهد الصناعات السينمائية التشويقية وأحد أبرع البلدان في تقنين خيالات البشرية بمواهب في الإنتاج السينمائي الخاص بالاستخبارات..وإحدى أكبر الدول في التخابر العالمي .
وهي عملية إنقاذ «العم سام» من ضربة إرهابية ليلة تنصيب الرئيس الجديد، جو بايدن.
وغير ذلك كثير بين عواصم العالم، كما يدل على ذلك التشريف الذي تلقاه المخابرات المغربية في شخص مديرها ومدير الأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي.. ومما لا شك فيه أن الجهاز الوطني المغربي للاستخبارات قدم أعمالا جليلة لهذه الدول، من ورائها عمل أبطال حقيقيين لا نعرفهم، يستحقون أن تخلد أعمالهم، بطريقة فنية عالية.
وبالنسبة لكتاب السيناريو والمخرجين وغيرهم من صناع المتعة والتاريخ الفني، تلهب المخابرات في كل العالم الخيال وتغذيه لما يميز عالمها من خصوبة إبداعية، ما بين التهيب والغموض والتخوفات والتوجس والفضول والقوة والضعف، هناك مزيج عواطف لا يمكن أن تظل بعيدا عن ما تحدثه السينما والتشويق التلفزي، من مشاعر.
هناك عالم خفي أحيانا، تطفو منه الأسرار التي تزيد من سحر الطبقات الباطنية للدولة..
وأكاد أجزم بأن الأفلام من هذه العينة لن تحتاج إلى كثير من الخيال، ولا الحبكة الفنية المطلوبة في غيرها، لأنها تقوم فعليا على السر والسحر والغموض والحبكة وما لا يتوقعه العقل الواقعي، وبالتالي ستكون الكتابة السينمائية أو التلفزيونية ذات شحنة فطرية من الخيال والحبكة..
وقد آن الأوان أن توضع المشاريع الفنية من هذا الطراز على بساط التفكير الجماعي، ولمَ لا خلق بنية للتفكير الجماعي أو «تينك تانك» أدبي، يجمع سيناريست ومخرجين وكتاب مسلسلات، من ذوي البراعة، في صياغة فيلمية لهذه البطولات العميقة؟
صار من الملح أن نعقد المصالحة الضرورية، بين بطولة الرجال العاملين في حقل السرية، وبين الصورة والإبداع السمعي البصري الساحر، عبر منشأة تُستحدث لهذا الغرض أو عبر مؤسسات متعددة الأطراف فيها المركز السينمائي والتلفزيون وقطاع الاتصال والأرشيف الوطني وغيرها من المؤسسات، مع تركيبة مالية قارة وجريئة تهدف العمل على إنتاج مسلسلات وأفلام، بتقنية وجودة عاليتين، يستحقهما التفاني والجدية والوطنية كما تتجلى في هذه الشخصيات من المخابرات المغربية التي تحمي البلاد…
هي ليست فقط ضرورة وطنية، وتاريخية، لتمجيد من يستحقون ذلك، بل أيضا ضرورة ثقافية وإبداعية وكتابية إلخ…لن أبالغ إن قلت إنها ستشكل تحولا.
قد أجد في الحدث التركي أو المصري الإغراء أو السبب والمناسبة لحديث مثل هذا، لكن هناك بطبيعة الحال، الصيرورة الكاملة التي دخلتها بلادنا مع العهد الجديد…
هناك المجهود الجبار الذي يقوده المسؤولون في الجهاز الأمني عموما، والمخابراتي خصوصا في تزاوج تفرضه المرحلة، ثانيا، هناك الإرادة المعبر عنها رسميا في رفع منسوب التغيير في صورة الأمن..
هناك كذلك، الانتصارات العديدة التي تحققها في الدفاع عن أمن البلاد وعن السلامة الوطنية وغير ذلك من المكاسب التي تصل إلى وضع البلاد في خانة الحليف النوعي والرفيع.. لأكبر القوى الدولية، والمخاطب الذكي والقادر على تقديم المساعدة في الزمن الحقيقي لعواصم ذات باع طويل في الاستخبارات..
ندرك جميعا أن البطولة في العمل السري، سرية.
وحقيقة الأبطال أنهم يتدثرون بها وقد تحفظ اسمهم وعناوينهم في سجلات الغيب، لكن بطولاتهم تستحق أن تكون عنوانا كبيرا للمصالحة التي يبنيها العهد الجديد في الأمن المغربي، مع عموم الطيف، وتصير ملكا جماعيا للافتخار والاعتزاز وتوطيد الشعور بالدعة والطمأنينة..
هناك ثقة عالية للمغاربة، من خلال استطلاعات الرأي، في أجهزة سيادية ومنها الأمن، وهو أمر جيد وفائق الضرورة…
وقد كان لافتا أن استطلاعا للرأي نشرته الزميلة »الأيام«، في عددها 932، للأسبوع الثاني من فبراير الماضي، هذا الاستطلاع الذي أنجزه المعهد المغربي لتحليل السياسات، تحت مسمى مؤشر الثقة 2021 كشف أن منسوب الثقة يرتفع بالنسبة لمؤسسات السيادة الأمنية، بشكل عال للغاية، بلغ معدله بالنسبة لمؤسسات الأمن 86 ٪ بكل أجهزته.
هذا معطى ثابت في مغرب اليوم، لا يمكن أن يغفله الإبداع والفن والكتابة..
وقبل هذا وذاك، هناك الارتباط الوثيق بغاية وجودنا وسبب حياتنا الجماعية، متجليا في قضية الوحدة الترابية، وما تقدمه الاستخبارات الوطنية من معلومات وخدمات وتضحيات حتى نظل في مقطورة الريادة والمبادرة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/03/2021