«أكثر علينا نيد برايس هذا»! 1/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس «نعتقد أن المسار القانوني الذي أدى إلى صدور هذا الحكم -يقصد إدانة الزميل سليمان الريسوني- يتعارض مع الوعود الأساسية للنظام المغربي بشأن حصول المتهمين بارتكاب جرائم على محاكمات عادلة، ومع وعد دستور 2011، ومع روزنامة الإصلاحات التي وضعها جلالة الملك محمد السادس».
كان رد الفعل الأولي هو: لقد أكثر علينا نيد برايس!، في استرجاع عفوي لما قاله عبد لله بن عمر بن الخطاب – رضي لله عنهما – في حق أبي هريرة عندما قال: لقد أكثر علينا أبو هريرة»!
فالواضح أن الحكم الذي صدر في حق زميلنا سليمان الريسوني، فرج لله كربته، كما يراه أحد أعمدة وصقور الديموقراطيين اليساريين، ولسان أمريكا في شؤون الدول، نيد برايس، قد أوجب لنا نقطا موجبة للسقوط في كل الامتحانات.
فالحكم على الريسوني من زاوية الخارجية الأمريكية، التي تصنع المواقف الديبلوماسية الأمريكية وتعكس جزءا من كواليس صناعة القرار في المؤسسة الأمريكية كشف في ما أذهلنا، فشلا في احترام النظام المغربي لأساساته،
وفشلا عميقا في الغناء الدستوري، ونشيد الإنشاد في دستور 2011، وفشلا يتعارض مع أجندات الإصلاح عند جلالة الملك. وببلاغ واحد ضرب نيد برايس الأسس الثلاثة الكبرى في البلاد: أي النظام والدستور وإرادة الإصلاح الملكية!
الواقع، ليس الموضوع هو معرفة ما إذا كانت القضية من أصلها، صالحة أو عادلة، أو أن الاعتقال بحد ذاته كان له مبررا، أو حتى معرفة ما إن كانت الكلفة المؤداة من صورة المغرب باهظة، الموضوع هو كيف لقضية واحدة، في مِلة واعتقاد الأمريكي نيد برايس أن تكون قادرة على نسف المتراكمات كلها وثوابت المغرب كلها؟
فهل نحن أمام جريمة حرب؟
هل هي إبادة جماعية مثل ما جرى للهنود الحمر أو ما فعله الخمير الحمر واقترفه التوتسي في حق الهوتو؟
هل هي جريمة ضد الإنسانية؟
هل هي حرب أهلية، أكلنا فيها بعضنا بعضا وما الصحافي إلا آخر الموهيكان، يشهد بما وقع من تقتيل؟
هل هي قرون وسطى فشل النظام فيها، والدستور والملاح في تدبير العاصفة؟
هل قطعنا الريسوني أطرافا أطرافا، وبالتقسيط المريح، ووضعناه في أكياس بلاستيكية وسرعان ما نسيناه في توازنات الجيواستراتيجية؟
هل قامت الدولة، ونظامها، الذي أتلف أسس بنائه الأخلاقي، بعزل أربعة آلاف شخص في ركن من الشارع العام وأطلقت عليهم النيران، وهل أعدمت الصحافيين والصحافيات في حفلة شواء كانيبالية؟
هل زج بألفي ناشط في الحراك في السجون؟
أبدا، ولم يحصل ذلك، كما في دول يعرفها نيد برايس جيدا.
إذن لقد أكثر نيد برايس، ولم نسقط في امتحان الحرية، بعد !
بعد التعليق الفوري، في بلاغيات التصريح، كان لا بد من وقفة تهدأ فيها السخرية، لينطلق التساؤل، الهادئ.
أولا: لا يمكن تجاوز السياق الذي ورد فيه تصريح نيد برايس..فنحن أمام تصريح له سياقه، وهو سياق بدأ، على الأقل، منذ اللقاء الذي تم بين انتوني بلينكن وناصر بوريطة، على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة داعش، الذي انعقد يوم الاثنين 28 يونيو بروما .
التقرير، الذي نشرته وزارة الخارجية المغربية، عن الاجتماع، اختلف مع تدوينة الوزير الأمريكي حوله،
ذلك أن ديبلوماسيتنا أسقطت من البلاغ الخاص باللقاء نقطة ركز عليها الإخبار الذي نشرته الخارجية الأمريكية. الخارجية المغربية اكتفت بالنقط ذات البعد الاستراتيجي، شرق-أوسطيا ومغاربيا وإفريقيا، والخارجية النظيرة أضافت إليه الحديث عن حرية الصحافة والتعبير.
وبعد يومين من اللقاء كتب العبد الفقير لرحمة ربه ما يفيد التنبيه إلى هذا السهو الديبلوماسي، ففي عمود يوم الأربعاء 30 يونيو، ورد ما يلي: من المثير حقا في المقارنة بين بلاغ الخارجية المغربية والتدوينة التي عممها انطوني بلينكن، أن فقرات البلاغ المغربي أسقطت قضية أخرى وردت في التدوينة، مفادها أن الوزيرين ناقشا أيضا قضية الحقوق الإنسانية بما فيها حقوق التعبير والحق في الصحافة.
من الواضح أن بلينكن لم يرد أن يغفل هذا الموضوع، كما من غير الوارد أن يكون نشره في تدوينة بدون أن يتحدث فيه مع وزيرنا في الخارجية، وعليه فليس هناك من مبرر بأن يغفل الخبر المغربي ما أورده الوزير الأمريكي.
ثانيا، لقد وردت المسألة الحقوقية، والصحافية منها، كنقطة من بين النقط الرئيسية في تدوينة بلينكن، وبمعنى آخر، فالقارئ لنص التدوينة سيرى أنها لا تقل أهمية، في تقدير صاحبها، عن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وعن الاستقرار في مالي وعن السلام في الشرق الأوسط…
وكان من الممكن أن نعرف اتجاه النوايا، لدى الفاعل الديبلوماسي الأمريكي، ونقصد به كل التوازنات داخل إدارة العلاقات الخارجية، لو أن الرأي العام اطلع بشكل واسع على ما دار حول الموضوع، لا سيما وأن نفس الديبلوماسي الأمريكي سبق له، قبل شهرين من هذا التاريخ، أي في 30 أبريل الماضي، أن «أشاد بالتقدم الذي أحرزه المغرب على مدى العقدين الماضيين بقيادة جلالة الملك محمد السادس، على صعيد الإصلاحات السياسية والتقدم الاقتصادي والتنمية الاجتماعية».
بعد ذلك، نجد أن ما أغفله التواصل الديبلوماسي المغربي، رتبت رسالة التهنئة الملكية إلى جو بايدن بمناسبة العيد الوطني الأمريكي، يوم 4 يوليوز، ردا عليه برفع مستوى المشترك بين البلدين.
فجلالة الملك، وهو يهنئ جو بايدن، شدد على «التزام المملكة الوثيق بالقيم الدولية والكونية، واعتباره منطلقا بالغ الأهمية للتنسيق مع إدارتكم في ترسيخها».
في هذه الرسالة، رسالة …واضحة حول القيم المشتركة ومن بينها، بطبيعة الحال، الحرية والتعبير الحر والرسالة الإعلامية، وغير ذلك مما دستره المغرب من قناعات حقوقية كونية….
وكان ممكنا أن يكون هذا الالتزام من أعلى سلطة في البلاد، مقنعا كفاية حول احترام مقتضيات الحياة الكونية المبنية على الفصل بين السلط، وحرية المعتقد، وقوة القانون والديموقراطية.
والتعليق الأمريكي وضع السياسةعتبة في الحكم على القضاء، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، جعل من قضية قضائية منبرا سياسيا لتعليق الحياة الوطنية للمغرب برمتها وتسفيه كل ما تراكم، بلغة تريد أن تقول: لقد فشل النظام ووعود الدستور والتزامات الملكية في امتحان قضية مهني صحافي.
وهو أمر أكبر بكثير من هذا، وليس مجال المقارنة فيه واردا البتة.
ولعل من حق المغاربة، الذين يدافعون عن المحاكمة العادلة والحق في التوبة، بتدخل الإرادات الحسنة لطي صفحة من صفحات الإعلام، أن يغضبوا عندما لا تقدر مجهودات بلادهم في المجال الحقوقي.
ومن حقهم أن يغضبوا عندما يرون تميزهم، الذي حققوه بواسطة «سيادتهم النضالية» (وقد آن الأوان أن نجهر بهكذا مصطلح ونحن نرى الوكالة النضالية تفعل بنا ما تريد)، وليس بإيعاز من أية عاصمة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/07/2021