ألمانيا ونحن… الوطن دائما على حق!.. 2/1

عبد الحميد جماهري

يُروَى عن الفقيه العلامة المختار السوسي أنه قال: «اثنان في الدنيا لا مزاح معهما، الإيمان.. والألمان».
وهي قصة تحتمل الصواب، كماتحتمل الخطأ. وبقيت على حد علم هذا العبد المذنب في حكم الشفهي التداولي، لكنها قصة تعطي ولا شك، رمزية الجدية التي يتولاها الألمانيون في المخيلة الجماعية للمغاربة، جدية في مرتبة الإيمان، كما عبر عنها فقيه وطني ومقاوم، ورجل علم ولغة،عاشت منطقته جوارا خاصا مع البوارج الألمانية منذ بداية القرن العشرين..
لهذا تبدو برلين غير جديرة بالعبث، والتذبذب والتناقض في سياستها تجاه بلادنا..
وهذا ما يجعل وقع القرار المغربي، أيضا له صدى أعمق وحمولة أكبر.يستوجب أن نثير حوله، ما نعتقد بأنه يستحقه كفاية؟
ويمكن أن نبدأ بالقول، بدون خوف من الخطأ أن البلدين منذوران للتقارب والتفاهم بشكل عميق، باعتبار أنهما ينتميان الى مدرسة الديموقراطية والواقعية والسلم ، وقد صدرت عن برلين، بالاضافة الى الإشارات السلبية، إشارات أخرى إيجابية ، في الفترات الاخيرة،تكشف عن تأرجح،ألماني استدعى وضع النقط على الحروف، ومن ذلك:
– قبل شهر ونصف احتفلنا، والكلمة غير مبالغ فيها، بالتصريحات التي أدلى بها السفير الألماني في المغرب غوتس شميت بريم، متحدثا عن أن مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب تعد »حلاً واقعيا وعمليا«، وأنه «يصعب إيجاد حل أكثر واقعية« من المبادرة المغربية.
وكان ذلك، في تقدير المغاربة نقطة متقدمة عما هو معروف عن »البرود الديبلوماسي« الألماني..
– وقبل ذلك بوقت قصير، أي في دجنبر الماضي، كان وزير الخارجية المغربي قد رحب مطلع دجنبر في بيان نشره بـ «التعاون الثنائي الممتاز بين البلدين»..
في تعداد أسباب هذا التصعيد غير المألوف نجد أن اللائحة تضم: مؤتمر برلين حول ليبيا، والاجتماع الطاريء لمجلس الأمن وبرلمان أصغر ولاية في المانيا بريمن، الذي رفع علم الوهم.
وقد مر عام تقريبا على مؤتمر برلين،واستطاع المغرب أن يتجاوز ألمانيا في إقناع الفرقاء الليبيين بتجاوز الوضع الحربي بينهما والانتقال إلى مرحلة متقدمة من حل المعضلة..
ألمانيا لم تستدع المغرب، الذي كانت أرضه مسرحا لسلسلة من اللقاءات والاتفاقيات ذات الدلالة، وهو نفسه وضع قوته كجزء من الحل ولم يبق في منطق المشاركة في الشكل، بالرغم من المؤتمر الذي حضرته كل القوى الدولية والإقليمية المتورطة في النزاع، من روسيا إلى تركيا!
وربما هذا ما يجعل الكثيرين يعتبرون أن مؤتمر برلين ليس سببا كافيا للقطيعة.
وعليه، فإن الذي يسوغ هذه القطيعة هو التراكمات السلبية في قضيتين جوهريتين: هما الصحراء المغربية والريادة الإقليمية للمغرب.. ولعل األمانيا تخطيء باختيار الجزائر كمدخل لتنزيل استراتيجيتها في افريقيا، والتي لم تتضح كل معاملها ، بشهادة مراكز الدراست الالمانية والاوربية عموما..
وهذا أمرمحقق، لأن الأمر فيه فعليا تراكمات حقيقية .. والحال أن ألمانيا، »مغاربيا تملك علاقات أقوى مع جارة المغرب أي الجزائر، سواء فيما يتعلّق بالتبادل التجاري أو الاستثمارات الألمانية المباشرة، كما انصب الاهتمام الألماني في المنطقة المغاربية بشكل واسع على تونس في مرحلة ما بعد الربيع العربي لدعم الديمقراطية الناشئة«، حسب أصوات ألمانية شبه مأذونة..
وعلى ذكر الأصوات المأذونة، فالظاهر أن الرد على «نشر» مراسلة وزير الخارجية، قبل ترسيم وجودها،أوحى للألمانيين أن يردوا هم أيضا بطريقة غير رسمية عبر تسريبات إلى المنابر القريبة من الديبلوماسية الألمانية..
ونزعوا نحو التعامل الاعتيادي في الخلافات باستدعاء السفيرة المغربية، فيما يشبه السلوك الكلاسي الذي لا يسعي الى الاستفسار غير الودي..
ولهذا جاءت متابعتها بمثابة الرد غير الرسمي..
ولهذا أيضا نجد أن نفس الأصوات تتحدث أيضا بنوع من التساؤل عن نقطة المؤتمر العاجل لمجلس الأمن حول الصحراء: وفي مبررات الاستغراب
– أن برلين لم تصدر موقفا رسميا خاصاً للرد على قرار ترامب.
– أن برلين تعمل مع مجلس الأمن الأممي للوصول إلى «تسوية تفاوضية واقعية وعملية ومستدامة».
– أن برلين لم تتنكر لتصريحات سفيرها في الرباط غوتس شميت بريم عندما اعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب حلاً واقعيا وعمليا»، وأنه «يصعب إيجاد حل أكثر واقعية» من المبادرة المغربية.
وهذا ما يعني أن برلين تميل الى التهدئة وتفضل الرد اللبق على المغرب، وبدون أن ترفع برلين وتيرة التوتر.. وربما أدت الرسالة مفعولها في القليل من الساعات….
ولعل المغرب دوره لن يرفع القطيعة أعلى من سقفها الحالي، وسيكون في موقف إيجابي من تجاوب برلين مع غضبه وتساؤلاته حول قضايا تراكمت غيومها في أقل من سنة (مابين مؤتمر برلين ورفع العلم الانفصالي في بريمن)
بالنسبة للبرلمان المحلي، بريمن، فإن خطوة أخرى كانت ستقع منذ أربع سنوات، لكنها فشلت حيث إن محاولات الاختراق، والتي كانت قد قادتها أميناتو حيدر، في نهاية سنة 2017، لما قررت التوجه إلى البرلمان الألماني، لم تعط امتدادا مشهودا للتجاوب معه، كما يحدث في الأوساط السياسية الاسبانية أو الاسكندنافية مثلا ومع السويد خصوصا..
الواضح أن خطاب المغرب ، الديبلومساي،بغض النظر عن الشكل الذي يستوجب قراءة لوحده، يريد أن يبعث برسالة انه لن يقبل محاولة تبخيس مكاسبه الديبلوماسية، او اختيار برلين منصةجديدة لمعاكسته،مهما كانت قوتها.. وهو ولا شك سيقرأ، كما يجب ردود الفعل الالمانية، التي تسمح بنشر تبريرات ومواقف أفقها الواضح هو نزع فتيل التوتر وتجاوز عواصفه..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/03/2021