أمريكا، أوروبا ونحن: في الهنا والآن…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

من الواضح أن الإطلاق الرسمي للشراكة الخضراء بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والمقابلة التي تمت بين وزير خارجية المغرب ونظيره الأمريكي انطوني بلينكن في لحظة زمكانية واحدة، حدثان لا يمكن أن يمرا مرور الكرام . ولا يمكن أيضا إغفال المتابعة والتعليق عليهما.
بالنسبة للموضوع الأول، فهو يأتي بعد التصويت البرلماني الأوروبي، والذي تبعه صخب كبير، ومتابعة قوية، كما كشف عن رهان قوة كبيرة حول مراهنة إسبانية على التاثير على العلاقات الأورومغربية من زاوية أزمتها .
والحال أن الثوابت لا تتحرك بحسب الرغبات السياسية لأحزاب أوروبية بعينها، بل يمكن أن نقرأ في كلمة نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية باعتباره »شريكا استثنائيا« لا يمكن خسارة العلاقة معه لحسابات غير منتجة…
وفي سياق ذي صلة، نذكر أن قضية البيئة حضرت في 30 أبريل الماضي في محور محادثات وزيري خارجية المغرب وأمريكا، عندما كان الديبلوماسي الأمريكي قد أشاد بالدور القيادي لجلالة الملك في مكافحة التغيرات المناخية والاستثمار في الطاقات المتجددة وتعزيز الاقتصاد الأخضر«.
وفي الوقت ذاته، كشف اللقاء الراهن بين بوريطة وبلينكن، نوعية المواضيع المطروحة على جدول الأعمال، والتي يهم واشنطن رأي المغرب فيها، كما يهم الرباط رأي أمريكا فيها.
المناسبة كانت هي أشغال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي المناهض لـ «داعش»، وهو الموضوع الذي يعتبر المغرب فيه شريكا دوليا جديا وذا مصداقية، وقد أثبتت أجهزته المعنية بالاستعلامات الأمنية باعها الطويل في هذا الباب.. بل يمكن القول إن المغرب يدخل إلى نادي المواجهة الدولية للإرهاب، ليس فقط كقوة دينية معتدلة وذات تاريخ حافل في مواجهة التطرف، بل أيضا وأساسا بما امتلكه من خبرة أمنية واستخباراتية عززت أدواره الديبلوماسية وسمحت له بالجلوس إلى مائدة كبار صناع القرار الأمني والاستخباراتي والديبلوماسي الغربي.
وكان من مواضيع اللقاء:
– الشراكة الاستراتيجية الثنائية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
– بعض القضايا الإقليمية بالشرق الأوسط والأزمة الليبية.
وهي مواضيع صارت ثابتة في التواصل الديبلوماسي بين بلدينا وأمريكا.
وقد انضافت إلى ليبيا والساحل، قضية الشرق الأوسط وما ينتظر من المغرب من أدوار في سياق استتباب الأمن والسلم وتعبيد الطريق للحل السياسي لقضية الاحتلال في فلسطين.
ولا أحد يغالب ، في هذا المضمار الحق في كون الشراكة صلبة واستراتيجية.
في محادثات أبريل الماضي، التي جمعت بين بلينكن وبين بوريطة، كان الحديث قد دار، حسب البلاغين الصادرين عنهما، عن قضايا الإصلاحات السياسية والاقتصادية القوية التي ثبتها المغرب كنهج وأسلوب في تسوية أوضاعه الداخلية.
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أشاد بالتقدم الذي أحرزه المغرب على مدى العقدين الماضيين بقيادة جلالة الملك محمد السادس على صعيد الإصلاحات السياسية والتقدم الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
ومن المثير حقا في المقارنة بين بلاغ الخارجية المغربية والتدوينة التي عممها انطوني بلينكن، أن فقرات البلاغ المغربي أسقطت قضية أخرى وردت في التدوينة، مفادها أن الوزيرين ناقشا أيضا قضية الحقوق الإنسانية بما فيها حقوق التعبير وحرية الصحافة.
من الواضح أن بلينكن لم يرد أن يغفل هذا الموضوع، كما من غير الوارد أن يكون نشره في تدوينة بدون أن يتحدث فيه مع وزيرنا في الخارجية،
وعليه فليس هناك من مبرر بأن يغفل الخبر المغربي ما أورده الوزير الأمريكي.
ثانيا، لقد وردت المسألة الحقوقية، والصحافية منها، كنقطة من بين النقط الرئيسية في تدوينة بلينكن، وبمعنى آخر، فالقارئ لنص التدوينة سيرى أنها لا تقل أهمية، في تقدير صاحبها، عن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وعن الاستقرار في مالي وعن السلام في الشرق الأوسط..
هل بالغ بلينكن أو ضخم الموضوع؟
ليس هو ذا السؤال، السؤال هو أن الديبلوماسية الديموقراطية عند الأمريكيين، تحضر هذه النقطة في جوهر التواصل السياسي، بل أحيانا قد توضع كعتبة لأي حديث سياسي.
وهذا قد عاشته الدولة المغربية في لحظات بعينها، وفي زيارات رسمية عالية المستوى، في عهد باراك أوباما.
الأكثر من هذا لقد اختار البرلمان الأوروبي، عنوانا لقراره، مسألة حقوقية، هي انتهاك الاتفاقية الدولية حول حقوق الطفل والهجرة، والبرلمانيون المناوئون يدرون أهمية الزاوية الحقوقية في مناوشة المغرب..
ونحن إذ لدينا ما نقوله في شرح الموضوع، نعي بكون التدويل الحقوقي له مآلاته الصعبة.
حقوق الإنسان هو موضوع منتج وسهل التعميم والتعبئة حوله، صحيح أن الموضوع يخضع من زاويتنا لتقييمات منتظمة من طرف الأمم المتحدة ومقرريها المستقلين حول الموضوع.
صحيح أن إسبانيا نفسها كانت موضوع مساءلة في 2018، حول حقوق الأطفال في سبتة ومليلية …
صحيح أن التقرير الذي تبنته الأمم المتحدة حول الطفولة انتبه إلى أن اللجنة أبدت قلقها العميق للعدد المتنامي للتظلمات المطروحة لا سيما العنف ضد القاصرين في سبتة ومليلية، كما شجب شروط الاستقبال، والتي تهدد سلامة القاصرين الجسدية…
لكن أوروبا تناست هذا المعطى أمام التعبئة والحمى المناهضة للمغرب.
نحن ليس من حقنا أن نغفل الموضوع، في بلاغنا، وإلا أعطينا الانطباع بأن لدينا ما نخجل منه، في قضية يعتبر كثيرون منا أنها تحت أضواء القضاء والتدافع الوطني الداخلي، وعليها نقاش مستفيض.
ماذا قال وزيرنا لبلينكن في هذه القضية وماذا قال بلينكن في الموضوع؟
يهمنا ذلك ولا شك، لأن التقدير السياسي الحقوقي لدى جزء من فريق بايدن يجعله ميزان النظر وزاوية الحجر في تقرير العلاقات…
هناك سياق وطني، له أبعاده الدولية، وقد تكون له انعكاساته السياسية، مهما صغر حجمها، ولا يمكن أن نتركها للصمت..ولشعار »كم حاجة قضيناها بتركها«، من باب الغيرة الوطنية وأيضا من باب قوة الحجة المغربية في الدفاع عن كل ما تحقق في زمن الإنصاف وزمن بناء العهد الجديد في المغرب الخالد.
نقول من حق المغرب أن يغضب، لأن كل مجهوداته الرفيعة، والاستثنائية في الدائرة العربية الإسلامية، وبمعايير دولية، في مجال الرفع من جودة الحقوق وسريانها الوطني، لم يتم الاعتراف بها دوما.
ومن حقه أن يرى في الكثير من التقارير ومن التصريحات ومن التصنيفات ظلما له حينا، وحينا آخر ذريعة لإخفاء الحقيقة لإصابته في قضية مركزية جدا بالنسبة لشعبه…
كل هذا من حقه، لكن، مع ذلك لا بد من أن لا نخفي ما يجب كشفه. والصبر طريقه طويل، كما هو حال الاعتراف!
خلاصة القول إن أوروبا وأمريكا، تعاملنا كدولة لابد منها في القضايا الاستراتيجية والإقليمية العويصة، وعلينا ألا نعطي انطباعا خاطئا عندما يتعلق الأمر بقضية داخلية فيها تفاعلات متفاوتة، وقد يسيء الصمت الرسمي فيها إلينا.
والباقي يسير كما أرادته البلاد..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/06/2021