أوراق مغربية راهنة في القضية الفلسطينية

عبد الحميد جماهري
أوضح جلالة الملك، في رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف التابعة للأمم المتحدة، أن «المغرب سيواصل جهوده، مستثمرا مكانته والعلاقات المتميزة التي تجمعه بكل الأطراف والقوى الدولية الفاعلة، من أجل توفير الظروف الملائمة للعودة إلى طاولة المفاوضات».
وفي هذا التلخيص، برنامج عمل متكامل لما يمكن للمغرب القيام به، في حق القضية الفلسطينية.
كانت المناسبة هي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، واختار ملك المغرب باعتباره رئيس لجنة القدس، وأحد الفاعلين الأساسيين في ملفات الشرق الأوسط، هذا اليوم، لكي يضع على الطاولة ما هو مطلوب اليوم من الأطراف المعنية بالقضية.
– أولا انطلاقا من مبدأ المغرب الثابت في التضامن، جدد الملك تضامننا المطلق مع الشعب الفلسطيني ودعم «حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة»، وهو موقف تتلاقى فيه القمة مع القاعدة دوما، وعبر الظروف كلها التي مرت بها القضية، وإن عرفت في لحظات نادرة للغاية بعض التوتر الذي تسبب فيه طرف ثالث!وهذا تذكير بأن المغرب لا يتردد ولا يخجل من دعمه للفلسطينيين وقضيتهم!
والمغاربة يعبرون عن هذا التضامن بكافة الأشكال وحقهم في ذلك محفوظ بالرغم من كل المتغيرات، التي تحدث في المنطقة!
– ثانيا تم تحديد الهدف من تحرك المغرب، ويتعلق بالعودة إلى طاولة المفاوضات، على قاعدة حل الدولتين الذي تعاقدت عليه كل القوى الداعمة للحق الفلسطيني.
والمغرب، الذي انحاز إلى الحلول السلمية عبر الموائد المستديرة في ما يتعلق بقضيته المقدسة الأولى، قضية الصحراء المغربية، منسجم مع نفسه من هذه الزاوية إذ لا يمكنه أن يفكر بمنطقين أو يكيل بمكيالين في السلوك الديبلوماسي لإيجاد الحلول للقضايا التي تهمه في الداخل وفي الخارج، وقضيتا الصحراء وفلسطين، هما قضيتان وطنيتان يحكمهما نفس المنطق في السلوك السياسي للمغرب.
والواقع أن هذا الجزء من المشهد في الشرق الأوسط أضحى يتطلب الكثير من الشجاعة الأدبية والصرامة الأخلاقية للدول مع نفسها، هناك كما نرى الكثير من الدول تلجأ، حتى وهي تتعرض إلى المس بسيادتها وقتل قادتها، إلى المنهج الديبلوماسي والبحث عن المفاوضات السلمية والوساطات أو أنها تقبل بالجلوس إلى موائد الحوار الإقليمي مع ألد أعدائها عندما يزورونها، ومنها الدول التي اتهمتها بأنها تمادت في التطبيع! وعندما يتعلق الأمر بالمصلحة الوطنية، لدى سوريا أو إيران أو تركيا، فإن الجلوس مع العدو القريب منها والبعيد، يصبح طريقا سالكا ولا بد منه، في الحديث مع الولايات المتحدة أو الإمارات أو مصر أو إسرائيل نفسها…
والإشارة هنا إلى دول تضع نفسها على رأس الفيلق المناهض لأي تفاوض إسرائيلي/ فلسطيني من باب الصمود في الممانعة وتعليق السيادة الفلسطينية في التفاوض، لحساب التوازنات الاستراتيجية للدول الأخرى، أو لتحسين شروط التفاوض مع العدو نفسه!
ولا بد من التذكير أن الخطة العربية للسلام، التي انبثقت عن قمة بيروت عام 2002، ما زالت تشبه معلقات الجاهلية بحيث لم تقم أية دولة بتفعيل هذه الورقة، بل ما زال الحديث يعود إليها، كعنوان للعجز العربي أكثر منه كاتفاق الحد الأدنى، هذه الخطة العربية للسلام تتولاها أحيانا دول تدمر التماسك العربي وتعمل على القمة للربح ديبلوماسيا على حسابه، في تناقض لا يستطيعه سوى العالم العربي المنفصم!
– ثالثا، في الجانب الفعلي يعول المغرب على العلاقات المتميزة مع الأطراف والقوى الفاعلة في القضية، وهي على التوالي:
± الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، حيث أن المغرب متشبث بالحل السياسي، بناء على طاولات التفاوض، الذي يفضي إلى حل الدولتين، ويملك، في هذا الباب، الأوراق الجيواستراتيجية والتراكم الديبلوماسي في قضية التفاوض، وتتميز علاقاته بأنه يكون قبلة كل المعنيين من الطرفين بما فيها الحركات التي أعلنت شجبها لما أسمته «حركية» التطبيع!
± الدول العربية ذات الصلة بالقضية وذات الوزن في تحديد مساراتها، ولعل الموضوع المثار أعلاه والمتعلق بالآفاق الممكنة لخطة السلام العربي مطروحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لاسيما عند الأطراف العربية المتماسكة من قبيل دول التعاون الخليجي، وهنا يجب التذكير أن إعلان الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب كان قد تضمن فقرة مهمة تتعلق أساسا بدول الخليج والعمل على تحسين أجواء العمل بين دولها.
± الولايات المتحدة وشركاء السلام من قبيل روسيا، ولعل السياق الحالي يدعو إلى التركيز على نقطتين اثنتين بيد المغرب، أولاهما الرسالة التي بعث بها «جو بايدن» إلى الملك بمناسبة عيد الاستقلال، والتي ركز فيها على العمل سويا من أجل السلم في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، عمل مشترك من أجل السلام والاستقرار، علاوة على ما تبادله وزيرا خارجية المغرب وأمريكا في آخر لقاء لهما والمنظم حول العمل المشترك في كل ما له علاقة بالشرق الأوسط، مع التنصيص على ذلك من أجل خطوة أرقى في تجاوز وضعية «الجمود المسلح» في المنطقة…
وثانيهما، المؤتمر المرتقب بين روسيا والدول العربية في قمة مراكش في منتصف الشهر الحالي، والذي سيكون في قلبه، ولا شك، الأدوار التي يمكن لروسيا أن تلعبها في إطلاق مبادرات التفاوض السلمي وتحريك البركة الراكدة في المنطقة، وقد سبق للرئيس الروسي بوتين أن استقبل في ظروف متقاربة كلا من أردوغان ، ووزير الدفاع الإسرائيلي الذي زار بلادنا، وعباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، ولا شك أن هذا التزامن أكبر من مصادفات الأجندة الزمنية …
والثابت الآن أن الملك ذكَّر بأنه يضع هذا التميز الجيواستراتيجي المغربي، في خدمة هذه القضية.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/12/2021