إسبانيا: لاشيء سيعود كما كان .. الجملة التي لم يقلها ناصر بوريطة…

عبد الحميد جماهري
مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، بهذه العبارة نطق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة متوجها إلى الجارة الشمالية، ولا شك أن الاتحاديين من كل الأجيال وجدوا في العبارة حنينا خاصا، وتداعيات عادت بهم إلى صاحب حقوق التأليف فيها، في سياق مغاير لمغرب الثمانينيات من القرن الماضي.
تذكروا الكلمة التي وجهها الكاتب الأول الراحل، بوعبيد، في وسائل الإعلام السمعية والبصرية، ليلة 56/ يونيو 1983، بمناسبة الانتخابات وقتها. وتذكروا تجمع الدار البيضاء الكبير، بلاكازابلانكيز، بعد ذلك بيومين.
وقتها قال الفقيد الكبير: مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس..
والآن تعود العبارة وحدها، كواقع ديبلوماسي في العلاقة مع جار ليس ككل الجيران، يستوجب الوضع معه تدقيقا كبيرا في تحديد المفاهيم.
الجار الإسباني، عليه أن يفهم:
– من حسن حظ إسبانيا وأوروبا أن «العياءالمغربى« على الحدود لم يدم شهرا كاملا، كما هو حال المدة التي يقضيها زعيم الانفصاليين في مستشفى ساراغوسا الإسباني، وإلا فإن الوضع كان سينقلب رأسا على عقب بالنسبة لإسبانيا أولا، ثم بالنسبة لأوروبا ثانيا، وكلتاهما، مدريد وبروكسيل، تتخبطان في تناقضات لا يبدو أن التضامن المتبادل ومحاولة استعمال نفس المظلة القارية قد استطاعا إخفاءها أو تحجيم آثارها لدى الرأي العام في العاصمتين..
ولا بد من تسليط الضوء على جوانب يبدو أنها تسقط من المتابعة، لا سيما السريعة للأوضاع: ومن ذلك قضية القاصرين:
يعتقد الكثيرون أن الصور التي راجت في متابعة الأزمة هجرة القاصرين المغاربة على الحدود، هي الصور الوحيدة في ملف العلاقات بين البلدين.
والحقيقة أن قضية القاصرين تعد من النقط الثابتة في الملف الثنائي، ويستفاد من كتابات خبراء إسبان، منهم على وجه الخصوص خبير الدبلوماسية والحكامة، باوو سولانيا، أن الجدول الثنائي، ولا سيما من لدن العقل السياسي الإسباني، يتمحور حول أربع نقط تحتل الصدارة في الدوائر الإعلامية والسياسية في الجارة الشمالية، هي : الصحراء، سبتة ومليلية، الهجرة والقاصرون……
والواضح أن النقط الثلاثة هي الواضحة لدى الرأي العام الوطني أيضا، في حين يبدو أن موضوع القاصرين، كما لو أنه «غنيمة حرب »إعلامية جديدة، أو أسلحة منجانيق الديبلوماسية المتواجهة بين ضفتي المتوسط.
وقد كتب العديد من الباحثين والمتتبعين وأصحاب الرأي عن الثوابت في موائد التفاوض، ولم تخرج هذه النقطة عن أي حوار (باريس نفسها أيضا تضع الموضوع في جدول الأعمال بين الفينة والأخرى، كما حدث قبيل الكوفيد بأيام قليلة )..
وكان واضحا أن التركيز على نقطة الأطفال في وضعية تسلل، والقاصرين جدا، ورقة رمتها في مياه المتوسط، قوى التعاطف الوهمي، التي لم تتورع في التعامل مع هؤلاء القاصرين من زاوية الردع الرهيب.
وكانت المنظمات الحقوقية المنصفة عددت ملامح التجاوزات الإسبانية، ومنها
– ترحيل الآلاف من المهاجرين والمهاجرات وطالبي اللجوء من طرف الجيش الإسباني؛
– استعمال العنف المفرط من طرف الجيش الإسباني من ضرب بالعصي وركل ورفس، بل وباستعمال الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي، حسب بعض الإفادات إلى جانب الممارسات الحاطة بالكرامة الإنسانية؛
– ترحيل مجموعة من طالبي اللجوء رغم تقدمهم بهذه الصفة لدى الهلال الأحمر الإسباني؛
– ترحيل المئات من الأطفال بدون اعتبار مصلحتهم الفضلى؛
-الاقتصار على بعض الموظفين لاستقبال هذه الفئة؛
الواضح أن إسبانيا استقبلتهم كأعداء، وليس كضحايا كما تدعي، وتريد أن تنسبهم إلى المغرب، كأسلحة مستعملة ضدها…
ما يجب النظر إليه ديبلوماسيا، هو أن «مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ولكن «مغرب الغد، هو الذي سنصنعه اليوم ويخرج من شروط الحاضر، كما أضاف السي عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله…
2 – الجار الإسباني، عليه أن يعرف بأن مغرب الغد، يصنع اليوم، وعليه فإن الموضوعات الهامة والقوية، التي سبقت الإشارة اليها، كمواضيع تستقطب كل الاهتمام، ليس وحدها التي توجه المسيرة الديبلوماسية، للمغرب، بل هي المعالم التي لا بد لمدريد أن تضعها في أجندتها، ولعل الكثيرين يعرفون بأنها حاضرة عند مراكز الدراسات والتفكير والتخطيط.
وهذه الموضوعات هامة بالنسبة إلى جيل جديد من المحللين، لكنها “أبعد ما تكون عن تأسيس رؤية شاملة عن العلاقات مع جارنا”، على حد تعبير خبير الدبلوماسية والحكامة، باوو سولانيا.
ومطروح علينا، من زاوية إعادة الـنظر الشاملة التي يفرضها العداء المعلن لقضيتنا الوطنية أن نطرح من جديد طبيعة العلاقة بيننا وبين إسبانيا (حليف، شريك، صديق، أم ماذا؟) وإعادة النظر في اتفاقية الهجرة، مع الجار الشمالي، ومع الاتحاد الأوروبي، الذي اشترك معه في الحملة المناهضة لنا ومساندته بلغة وسلوك لا يمتان للتعاون المنصف بِصلة!
هناك ما يندرج تحت مظلة الفاعل الاقتصادي التعاوني، والمغرب، بالنسبة إليها، هو سوق بالنسبة إلى المقاولات والاستثمارات، حيث تحل إسبانيا في المرتبة الثانية بعد فرنسا. وهو شريك لا يمكن القفز عليه في الأمن الإسباني والأوروبي، في محاربة الإرهاب والهجرة وغيرهما، إضافة إلى أن الجالية المغربية من أكبر الجاليات في إسبانيا.
من هنا يدعو العقلاء من هؤلاء إلى الانتباه إلى ما حققه المغرب من اختراق اقتصادي وديبلوماسي في إفريقيا (القنصليات، الاستثمارات الكبرى) لفائدة دول أخرى لا تنظر بقلق أو حيرة إلى اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، ومن بينها المملكة المتحدة، الجار الصعب الآخر في جغرافية إسبانيا بفعل جبل طارق، والتي “تعترف بالرؤية الاقتصادية والسياسية الإفريقية لمحمد السادس”، التي تنوي الاستفادة منها.
ومن هنا التسليم بالدور الإقليمي المركزي للمغرب، وتجاوز نظرة الاستعلاء وإعطاء الدروس، واستحضار الندية في التعامل..
وفي حاضرنا نصنع الجوار القادم وليس العكس..
جارنا الشمالي، لاحظ ولا شك أن المخابرات المغربية انتبهت، وتابعت ووصلت إلى كل معطيات تهريب الزعيم المفترض، وهي قامت بما تمليه عليها وظيفتها، ووطنيتها قبل كل شيء.، لكن جارنا الشمالي بدا كما لو أن مخابراته لم تنتبه إلى عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة والمغاربة ، الأطفال والراشدين، وهم يستعدون لعبور الحدود البرية والبحرية ؟
وهنا لا بد من أن نسأل إسبانيا، ساسة وإعلاميين : في هذه المعضلة لا يمكن أن نلوم مخابراتنا على يقظتها لكي نبرر لمخابرات الجيران غفلتها؟
الموضوع موضوع على طاولة التفاوض دوما، وقبل المشكلة الحالية، فقط أنه اتخذ حجمه الحقيقي على الشاشة..
وما هو غير مقبول بتاتا، هو أن تستعمل القضية المقدسة للمغاربة، متمثلة في الوحدة الوطنية، لكي يبقى المغرب حارسا على الأبواب، والتي هي أبواب أرض مقدسة أخرى موضوعة كمطلب تاريخي للحرية..
فلا يمكننا قبول استعمال أرض مستعمرة سابقا من إسبانيا – الصحراء-
لابتزاز المغرب بضرورة الامتثال لحراسة أرض مستعمرة قائمة- سبتة ومليلية-.
لقد كتبت لاراثون، التي لا يمكن اتهامها بموالاة المغرب ولا خدمة مصالحه، في افتتاحيتها ليوم أول أمس أنه »لا توجد أزمة ذات خطر على الاستقرار الجيواستراتيجي أكثر من القطيعة مع المغرب«، وطلبت تدخل ملك إسبانيا في المعالجة التي يفترضها تفادي الأزمة.وهو أمر بالفعل متروك للتدبير المؤسساتي الداخلي، غير أنه يعطينا فكرة عن تقدير الموقف، من طرف جزء من الفاعلين في السياسة الخارجية الإسبانية..
-على الجار الشمالي أن يعي بأنه سيطرح أيضا، قيميا واستراتيجيا، موضوع الأسباب الإنسانية، ولنا أن نعيد تعريفها على ضوء ما قدمته إسبانيا وحكومتها الحالية، في تعريف الأسباب الإنسانية في علاقتنا مع مهاجرينا، ومع المحتجزين في تندوف، ومع المهاجرين الأفارقة، ومع كل القضايا التي تلتقي فيها الثقافة والذاكرة والأوضاع الصعبة للإنسانية المعذبة في القارة.
الخلاصة: مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.. ومغرب الغد يُصنع اليوم! وعلى اسبانيا أن تعرف أن جوار الغد يصنع … بتفاهمات اليوم!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 22/05/2021