إشارات متناقضة وسط الضباب..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما يعم الضباب، أو عندما تغرق الجداول الزمنية، في حمَّام ضبابي، تزيد الحالات التي يسود فيها اللاستقرار والضيق، وتكثر الإشارات المتناقضة، وندقق النظر بدون جدوى، ويَلي السؤالُ الحائر حيرةَ البصر:ما الذي يلمع حقا في المستقبل، في الأفق؟ أهو منارات لإضاءة الطريق، أم مصباح رجل تائه؟
نحاول أن نخرج من شكوك الحاضر الذي لا جواب فيه، بالبحث عن أفق بعيد، ربما في نهاية 2021 سنجد الجواب، فالمعمل سيفتح باستمرار والمدرسة تستأنف بلا انقطاع والحياة السياسية تتأهب للدخول في زمن ما بعد الحجر والقلق دفعة واحدة…
لكن الذي ننتظره في المغرب هو مرحلة قاسية، تزيد من قسوة الانتظار وضغوط الشك…
يحدث ذلك على مستوى الأفراد والأسر والجماعات والمقاولات، وكل الذين انتظروا دخولا مدرسيا أو اجتماعيا أو سياسيا لتوضيح الرؤية، لا شيء من ذلك بدا لهم في الواقع الذي يعاينونه يوميا…
يزداد سُمْك الضباب، عندما تكون السنة سنة للمواعيد الضرورية في الحياة الجماعية والفردية، كما في المدرسة بالنسبة للطفل والولي، والانتخابات بالنسبة للدولة والهيئات، ومواسم المطر بالنسبة للفلاحة…
وفي سنة انتخابية، مثلا، يكون من المنطقي أن تهيمن في المشهد الوطني سلوكات مشجعة على دخول غمارها، وتكون الإشارات التي تبعثها الجهات الوصية على عملية التنخيب الترابي والتشريعي، إشارات منسجمة محفزة وتُعلي من شأن الاختيار الشعبي، أو ما اعتدنا على تسميته، بتسامٍ، السيادة الشعبية …
ومدار الحديث بين النخبة ووزارة الداخلية، في الأيام التي نعيشها، موضوعه هو أحسن الطرق لتنظيم استحقاقات تمثيلية قادرة على شحن الممارسة السياسية بشحنات إيجابية قادرة على حل المعضلات… والتقليل من الإجهاد الترابي في المملكة، stress territorial، تنظيميا وإداريا وإنسانيا واجتماعيا ووووو…
وينتظر الكثيرون أن تفضي هذه المشاورات إلى منظومة انتخابية جيدة، تقوي من التشاركية ومن التدبير الحر، كتعبير عن قوة الاقتراع السيادية…
غير أن الإشارات التي تساير هذا النقاش الوطني حول منظومة الانتخاب، لا تبدو منسجمة أو تشجيعية.
ونعني بذلك الدوريات المتكررة، التي تعلق إلى حين، ممارسة التدبير الحر، وإلحاق الحياة الجماعية بالسلطة الترابية…
1-الواضح أن ضرورة النجاعة والفعالية والترشيد مبررات معقولة، ومقبولة من الجميع كعقيدة وقاعدة في تدبير مرحلة حرجة للغاية وغير مسبوقة، غير أن السؤال الذي قد يفرض نفسه هو: ألا تكون الديموقراطية ضرورية أيضا في الأزمة، كما هي ضرورة في الحالات العادية، أليست ناجعة في السراء وفي الوباء معا؟
الجميع في المغرب مقتنع بأن الديموقراطية استوجبت آلاف الضحايا وآلاف القرون من السجون وأجسادا بكاملها في آلة رهيبة مناهضة للديموقراطية، وبهذه الصراحة التي تحاكي القناعة، قد يصاب الوطني المندفع بعدوى الشك والضبابية العامة ويفقد بعضا من حيويته ويقول: لست متحمسا كثيرا لكي أعود إلى ممارسة السيادة الشعبية من خلال الاقتراع، إذا كانت أول اشتراطات الوباء هي إعادة النظر في سلطات هذه السيادة وتعليق النتائج الانتخابية …حتى يمر الوباء!
وقد يغري الضباب العام آخرين بالسؤال: لماذا ندعو الشعب إلى التصويت إذا كنا نشعر بأنه سيمنح سيادته لـ «قاصرين» نضطر إلى تعويضهم وممارسة «الحجر التقني» عليهم مع كل «حجر صحي»؟
هما سؤالان بسيطان، قد يكون الجواب عنهما في العمق هو البحث عن الرفع من القيمة المعنوية والديموقراطية لمن تقودهم الصناديق، ومن قبلها منظومة الانتخابات، إلى تمثيل الشعب المنتخب!
لا شك أن العقل السياسي المغربي برمته يتعب الآن ويجتهد في البحث عن الجواب التنظيمي للانتخابات، لكن العمق سيكون في راحة أخرى: كم من المغاربة سيقتنعون بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، في الشروط العملية والنفسية والإجرائية التي نُساير بها الوباء؟
وكم منهم أولئك الذين سيقتنعون بأن ترشيحهم له معنى،… وكم هم الذين سيقتنعون بأن تصويتهم له معان؟
كم هم المغاربة الذين سيعطون معنى للسيادة الشعبية، بمحدوديتها القانونية والسياسية والسوسيولوجية، لا تُلغى باسم النجاعة وتوفير النفقات؟
2 – من حق الدستوراني أن يتساءل: ما هو المرجع القانوني في تحجيم التدبير الحر وسلطات الجماعات المنتخبة؟
وهو نقاش للأسف أغفلناه، عن صواب ربما أو عن سهو ديموقراطي مفروض بقوة الوباء، لكن لا يمكن أن نؤجل الحديث فيه إلى ما لانهاية…
ولهذا السؤال أن يذهب بعيدا في المثابرة بطرح المعادلة التالية: إذا كان المرجع هو القانون المرسوم المنظم للحجر الصحي والطوارئ الصحية، كيف نفكر في العودة إلى الإقلاع الاقتصادي بدون إقلاع ترابي حتى لا نقول، بدون إقلاع ديموقراطي؟
وطبعا في هذا الاسترخاء العام، لا معنى لقلق مواطن فريد أودستوراني مجتهد ولا صاحب رأي، ما دام السكوت العام أسلوب جديد في تدبير التعبئة الوطنية…!
قد يدوم هذا الوضع حتى أيام الاقتراع، وسنكون في وضع كثير الغرابة: مغاربة يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجالس لن تمارس سيادتها التي محضوها إياها، إلا بما يسمح به هامش الوباء، الذي لا نعرف إلى متى سنتعايش معه، ومن منهما سينتصر ، هو أم الديموقراطية!
في هذه السياسة، لا أحد سيقتنع بضرورة السيادة!
غدا -3 المنهجية الديموقراطية والتسليم التقنوقراطي!
غدا -4 المال والضريبة و… الوباء.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/09/2020