إلى أين ستقودنا هذه الحرب؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا أحد يبدو قادرا على التكهن بمآلات الحرب الدائرة اليوم في غزة أو فوق رؤوس أهلها بالتحديد، وما هو في حكم المعروف والواضح، بلا حاجة إلى خيال بارع في الاستباق، هو القتل اليومي منذ دخلت حماس إلى محيط غزة وأسرت العديد من الجنود والمدنيين وقتلت عددا مهما منهم.
الجحيم الذي اندلع بقرار إسرائيلي لا يمكن لأحد أن يخمن مداه، ولا أن يقيس حدود شهوته في القتل والمحرقة…
بالرغم من وضوح القتلى من المدنيين والأطفال، لا أحد يستطيع أن يتفرس الأفق ليرى ما تأتي به زرقاء اليمامة…
وخارج هليللويا النصر، من الطرفين الرئيسيين في المواجهة، تبدو السيناريوهات كالحة عند قادة دول المنطقة، ولعل التخوف الأبرز في خيال قارئة فنجان الشرق الأوسط هو اندلاع نزاع موسع مما هو عليه الآن، حرب إقليمية، على حد تعبير الملك الأردني عبد لله الثاني، أو نزاع إقليمي بلغة السيسي، أو دخول أطراف أخرى إذا استمرت المواجهة بلغة إيران وحزب لله.
بالنسبة للسيناريوهات الأخرى من خارج التوسيع الشرق أوسطي للمواجهة هناك ثابت يبدو متكررا ويتمثل في تدمير الحضانة الشعبية لحركتي المقاومة حماس والجهاد، وزعزعة نقط التثبيت الترابي لديهما، من خلال تدمير غزة على رؤوس أصحابها، وإعادة تحيين النكبة من جديد بترحيل «ترانسفير» الشعب الفلسطيني من أرضه.
في هذا الباب، لا يقف استنكار موقف أمريكا عند دعمها للتقتيل بتبني رواية تل أبيب في فاجعة مستشفى المعمداني، بل لعل أخطر ما في الموقف هو «الفيتو» المستعمل ضد مشروع القرار البرازيلي القاضي بإلغاء الأمر الإسرائيلي بإجلاء سكان قطاع غزة…
وعليه فإن الوضع أصبح موضع أجندة دولية، وأما على الأرض فهناك معطيات قاتلة…
مليون بدون مآوي فوق تراب غزة ونصف مليون نزحوا على حدودها…
ولحد الساعة ما زالت دول الجوار العربي، لا سيما مصر والأردن، تقاوم الضغط من أجل فتح ترابها للنازحين، والجميع يقدر أن هناك خطة واسعة الأطراف، أهم ما فيها توطين الشعب الفلسطيني من جديد في تراب غير تراب بلاده، بملامح نكبة جديدة، لا تظهر فقط في توجسات الرئيس الفلسطيني أبو مازن، بقدر ما هي مشتركة بين الدول المحيطة بإسرائيل..
كما أن النظام الرسمي العربي، الذي تحرك من الوهلة الأولى، لم ينزح نحو إدانة المقاومة، ولكنه في الوقت نفسه لم يأت على ذكرها في قرار اجتماع القاهرة الذي ترأسه المغرب…
إضافة إلى ذلك، كان القرار واضحا في دعم السلطة الوطنية الفلسطينية واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية (بدون حماس والجهاد) هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما قد يعني أن دول النظام العربي الرسمي ما زالت في خطاطتها الأولى في هذا الموضوع، والذي يجعل السلطة الوطنية الفلسطينية، المدعومة سياسيا واقتصاديا وماليا من طرف الجامعة العربية، هي المخاطب الوحيد في القرار الدولي.
وبغض النظر عن قوة هذه التمثيلية وقدرتها على إثبات موقعها في حرب لا تبقي ولا تدر، فإن حتمية التفاوض تجعل لها مكانا، كما أن النظام العربي الرسمي يجعل نفسه في موقع غير موقع حماس…
ولعل من المثير أن قادة هذه الأخيرة لم ينتقدوا الدول العربية بل دعوها إلى مساندتهم عوض التشهير بهم كما في حالات سابقة، وردت الدول العربية بعدم إدانة حماس بالرغم من كل الضغوط، وإن كانت قد رفضت الإضرار بالمدنيين من أي جهة كانت…
في مقابل ذلك، أبان الغرب عن تكتل مثير للغاية، فاق كل التوقعات، بحيث أن أمريكا وألمانيا وانجلترا، وإلى حد ما فرنسا، توحدت بدون تمييز بين حق شعب في استقلاله وبين مواجهات بعينها، كما يحدث اليوم…
وتشكل حلف مقدس باسم الحق في الدفاع عن النفس من طرف إسرائيل، بدون موقف محدد لمداه، حيث نتابع نوعا من استصغار ما وقع في مستشفى المعمداني بل تبرئة إسرائيل منه برواية أقل ما يقال عنها إنها سينمائية…
إلى أين ستقودنا الحرب؟
بدون الاستقلال ستظل الحرب واثقة من دمارها الدائم…
ختام لا علاقة له بما سبق…

يا أنبياء لله امنحوني دعاءكم
ولغته الضاربة في اليقين
وملح دموعكم
وامنحوا الآخرين عيونكم …
فهم يملؤون العالم بي،
ولكنهم لا يرون جثتي…
حدقوا في جثتي لتجدوا الكلمات..
حديقة من الدم تنتظر قمرا
أو بركة من الدم تتلقف قنبلة..
والأذنان اللتان تنصتان للألم،
جناحا ملاك…

انظروا لرزان الرضيعة
بعينين من لوز وزجاج
جاءت بالحرب معها
لترضعها الرصاص…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/10/2023